نواصل الحديث عن كتاب الدكتور عبد المالك التميمي الموسوم:" تاريخ الناس في منطقة الخليج العربي بادئين بمسألة التعليم، حيث تتباين مجتمعات الخليج العربي في بداية ظهور التعليم الحديث فيها بين الكويت (1912 ) والبحرين (1919) والمملكة العربية السعودية (الأربعينات) ثم قطر والإمارات (الخمسينات) وبين عمان التي تأخرت عن الركب الخليجي إلى العام 1970· ولا يتبين القارئ إن كان نظام التعليم الإلزامي مطبقاً إلا في الكويت منذ العام 1965، أما نسبة الأمية وعدد الأميين فلا يورد المؤلف أرقاماً بشأنها رغم توافرها وأهميتها لمعرفة مدى انتشار التعليم· ومن خلال المعلومات التي يشير إليها التميمي عن أعداد التلاميذ في المراحل الثلاث الأولى في هذه المجتمعات للعام الدراسي (1992-1993) نستطيع تلمس الحجم الكبير لقطاع المنخرطين في التعليم العام ( أربعة ملايين وسبعمئة ألف تلميذ تقريباً)، في حين يتراوح مجموع الطلبة في الجامعات الخليجية للسنة ذاتها مئة وثمانين ألفاً تقريباً· وينادي المؤلف بضرورة تطوير المناهج التعليمية مواكبة للتطور ومتطلبات العصر دون أن يكون هذا التطوير استجابة لضغوطات خارجية·
ويخصص فصله السادس للحديث عن المرأة وأوضاعها في المجتمع النفطي، ولعل أبرز ما يركز عليه المؤلف في هذا الصدد هو انخراط المرأة في العمل المأجور، حيث أصبحت تمثل في تسعينيات القرن الماضي ما نسبته 35% من إجمالي قوة العمل الوطنية في الكويت، وفي الإمارات 11% في حين بلغت في السعودية حوالي 5· أما في بقية دول الخليج العربي فلا يذكر المؤلف أرقاماً عن تلك الحقبة· ولعل أحد المعوقات لدخول المرأة إلى سوق العمل إلى جانب التقاليد وتحريم العمل المختلط ( كما في السعودية ) هو بقاء نسبة أمية عالية بين صفوفها· وهذه الناحية بحاجة إلى توثيق أكثر بالذات فيما يتعلق بالأرقام الخاصة بالمملكة العربية السعودية التي يوردها الكاتب (ص 160 )· ويشير الدكتور عبد المالك التميمي محقاً إلى ظاهرة من عدة ظواهر تحول دون حصول المرأة على الكثير من حقوقها وهي "نشاطها الموسمي"·
التحديث وأثره الاجتماعي هو ما يتناوله المؤلف في فصله الأخير وهو يضم محاور كدور الدين والمبشرين والجاليات الغربية والمجتمع المدني· أما بخصوص الدين فيشير إلى ظاهرة الإسلام السياسي وما تمثله من تحد للتطور خاصة فيما يتعلق بأطروحات الحركات والجماعات الأصولية من قبيل نظرتها إلى المرأة والاختلاط ومساهمتها في النشاط السياسي والاجتماعي· ولعل ما تشهده بعض دول المنطقة وبالذات المملكة العربية السعودية يجعل من الحديث حول دور تلك الحركات أمراً غاية في الأهمية· ويشير المؤلف إلى احتكاك أهل المنطقة بالغربيين الذين قدموا إلى المنطقة كمستعمرين أو مبشرين أو رحالة ومدى تأثيرهم في الحياة الاجتماعية· ولعل تأثير هؤلاء كان محدوداً كما الإرساليات التبشيرية التي استمرت أكثر من قرن (1889 إلى 1973 ) غير أنها فشلت في مهمتها الدينية المتمثلة بالتنصير رغم نجاحها في تقديم الخدمات الضرورية في مجال العلاج الطبي· أما مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة بالأندية والجمعيات المهنية والاجتماعية والتجمعات السياسية وغيرها فقد بدأت منذ أوائل القرن الماضي، ويعطي المؤلف أهمية بالغة "للديوانية" على اعتبار أنها مؤسسة شعبية توجد في كل أقطار الخليج العربي وإن تغيرت مسمياتها·
يبقى أن نقول إن "تاريخ الناس" كتاب يعطي لمحة عن الحياة الاجتماعية الحديثة في منطقة الخليج العربي وأبرز همومها ومشاغلها وظواهرها المتعددة، وهو جدير بالقراءة·
alyusefi@taleea.com |