مع أنه من غير الواضح تماما حتى الآن الجهة التي تقف وراء التخطيط للمذبحتين الإرهابيتين اللتين وقعتا يوم عاشوراء بالقرب من مشهد الإمام الحسين "ع" بكربلاء وعند ضريحي الإمامين الكاظميين عليهما السلام في بغداد فإن الأسلوب الذي تم بموجبه تنفيذ العمليتين لا يترك أي مجال للشك حول هوية الجهة التي لا تتورع عن ارتكاب مثل هذه الأعمال الإجرامية الشريرة التي تستهدف الأبرياء المدنيين العزل من الرجال والشباب والأطفال والشيوخ والنساء، أيا تكن قداسة وجلالة المكان واليوم والمناسبة الدينية التي يتجمعون فيها من أجل إحيائها·
فالذين قاموا بمثل هذه الأعمال الإرهابية هم أنفسهم الذين استهدفوا المجمعات السكنية في الرياض لتحصد أرواح الأبرياء الآمنين المدنيين في مايو ورمضان من العام الماضي، وهم أنفسهم الذين ارتكبوا الكثير من العمليات الإرهابية المماثلة في أفغانستان والمغرب والجزائر أيا يكن تنوع مسميات التنظيمات التي تقف وراءها ويكشف النقاب عنها، وإن كانت الجهة الأم هي نفسها التي كانت وراء أخطر هذه العمليات التي تمت في أحداث سبتبمر الأمريكية 2001م في نيويورك وواشنطن، والتي مازال العرب والمسلمون يدفعون فواتيرها الباهظة تباعا حتى يومنا هذا·· وهي الجهة نفسها أو الجهات التي كانت وراء العمليات التي استهدفت الشهيد السيد محمد باقر الحكيم وجموع مريديه من المصلين في النجف الأشرف، والسفارة الأردنية ومقري الصليب الأحمر والأمم المتحدة في بغداد ومقري الحزبين الكرديين في أربيل في عيد الأضحى، بل هي الجهات نفسها التي تقف وراء مذابح "عاشوراء" الأخيرة في باكستان، فضلا عن سلسلة طويلة غيرها من الهجمات التي استهدفت الشخصيات والمساجد والمؤسسات والأماكن السنية والشيعية والكردية على حد سواء في العراق نفسه·
ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن الذين يقفون وراء هذه العمليات يحملون فكرا مريضا مأزوما حاقدا لا ينتمون إلى دين ولا إلى مذهب وإن تشدقوا أو توهموا زورا بانتمائهم إلى أي منهما، وهم ليس لديهم وازع ديني أو أخلاقي ولا إنساني من قيم أو مبادىء يردعهم عن الإقدام على مثل هذه الأعمال الجهنمية الشريرة·
وحينما تطغى على عقلية "الإنسان" وتتملكه نزعة التكفير والتخوين تجاه الآخرين المختلفين معا، في الرأي أو العقيدة أو المذهب وفق شحن عقائدي منهجي يسهل عنده حينها ويُباح ارتكاب كل المحرمات والموبقات فتتلبسه حالة جنونية شعورية من وهم "الإيمان" العميق المغلوط بأن ما يقوم به هو عمل جليل كبير الشأن عند الله يتطلب التضحية والاستشهاد لمحو واجتثات هؤلاء الكفرة المارقين سواء أكانوا أبرياء مدنيين ممن يسمون بـ "العلمانيين" أم من الإسلاميين من مختلف المذاهب والطوائف·
فإن كان المرء يمكن أن يتفهم مثل هذا النوع من العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون لانسداد أفق أي مجال كفاحي لردع إسرائىل فورا لإيقاف إرهابها تجاه الشعب الفلسطيني في ظل أخطر تخاذل عربي أو أخطر تواطؤ دولي، والسبب يعود في المقام الأول لجرئم سلطات الاحتلال المتواصلة·· فكيف يمكن فهم هذه العمليات الإرهابية الانتحارية التي تنفذ بواسطة "مسلمين عرب" ضد مسلمين عرب؟!·
صحيح أن إسرائيل وحلفاءها هم المستفيدون عمليا من ارتكاب مثل هذه العمليات المزعزعة لاستقرار وأمن العراق لكن من الصعوبة بمكان القول إنها تمت بتخطيط وتنفيذ مباشر من "الموساد" وإلا صورناه بأنه قوة أسطورية خارقة هي وراء كل مثل هذه الأعمال الإرهابية في بقاع العالم والتي ترتكب في مختلف الأماكن والأوقات دون أولويات·
وأيا كان الأمر فإن قوات الاحتلال الأمريكية التي برعت في حماية نفسها أكثر من حماية الشعب الأعزل، تتحمل المسؤولية الأولى لفشلها الذريع المتكرر مرارا في هذا الشأن، إذ مازال حصاد مثل هذه العمليات يطاول الأبرياء أكثر مما يطاول قواتها·
ü كاتب بحريني
|