أن تقف المعارضة العربية التقليدية من قوى يسارية وإسلامية وقومية ضد مشروع الإصلاح الذي طرحته الإدارة الأمريكية فهذا موقف مفهوم، فهذه القوى تشكك في نوايا أمريكا الحقيقية وبالتالي فهي منسجمة مع طروحاتها ومنطلقاتها الفكرية، وأمريكا - بالمناسبة - فاقدة للمصداقية بعين الشارع العربي بسبب انحيازها الأعمى لإسرائيل، أما أن يكون هذا الرفض من أصدقا أمريكا في المنطقة العربية فهذا أمر يثير العجب والدهشة، فقد أجمعت الأنظمة العربية من ملكية وجمهورية (أصبحت جمهوريات وراثية) على الوقوف بشتى الذرائع والحجج أمام المشروع الأمريكي، والعجيب أن معظم هذه الأنظمة سواء ملكية أو جمهورية (في طريقها أن تصبح ملكية)، أقول إن معظم هذه الأنظمة لها علاقات حميمة مع أمريكا وكثير منها يقبل بالتواجد العسكري على أراضيه أو القيام بمناورات عسكرية معها فضلا عن التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب، وعليه، فحجتها برفض التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية حجة أوهى من بيت العنكبوت، ثم إن معظم الأنظمة أو كلها تريد أن تتعامل مع إسرائيل أو هي تتعامل معها فعليا، وبالتالي فقولها إن الشرق أوسطية تعني القبول بإسرائيل كلام مرفوض من أساسه!!
إذن، ما هو سر معارضة هذه الأنظمة، ولماذا اتفقت على رفض مشروع الإصلاح الأمريكي - بغض النظر عن جدية هذا المشروع - رغم التباين الظاهري لهذه الأنظمة؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل نريد أن نلخص حال الأمة العربية كيما نضع أصبعنا على الجرح الحقيقي، فقد أكدت الدكتورة فينيس كامل جودة، وزيرة البحث العلمي السابقة في مصر في ندوة نظمها معهد الكويت للتقدم العلمي أن دخل الفرد العربي يعتبر من أقل الدخول في العالم، فدخل ثلث الأفراد العرب لا يتجاوز دولارين في اليوم الواحد، وأن نسبة الأمية في الوطن العربي تجاوزت الخمسين في المئة، وتصل هذه النسبة بين الإناث الى 75 في المئة في حين أن مفهوم الأمية قد تغير في العالم المتقدم ليعني "أمية الكمبيوتر" وليس أمية القراءة والكتابة، وذكرت أيضا أن 25 في المئة من الشباب العربي عاطل عن العمل "الرأي العام 10/3/2004"، وما لم تذكره الدكتورة الفاضلة أن الوطن العربي ينتج معظم نفط العالم ويحتوي في باطنه على معظم احتياطياته·
إن المسؤول عن هذا الوضع المأساوي هي الأنظمة العربية التي لا تريد محاسبتها على ذلك ولا تريد تدويرا للسلطة كي يختار الشعب من هو أفضل منها لإدارة المجتمعات العربية، لهذا فهي تقف ضد أي دعوات إصلاحية سواء كانت من قوى المعارضة الداخلية أو من مبادرات خارجية كالمبادرة الأمريكية، وإذا عرف السبب بطل العجب·
alyusefi@taleea.com |