وبما أن التوقيع على "بيع فلسطين" غير ممكن سياسيا من غير مقدمات، ومن غير عمليات جرّ رِجْل صغيرة في المرحلة الأولى، فقد تم اتباع سياسة ذكية وحقيرة من قبل الجانب الصهيوني، تتجسّد في "آلية الخطوات المتعاقبة" كما نلاحظ على المتفاوض الصهيوني، أي أن التوقيع على اتفاقات سلام معينة يتم في البداية، فيتم أخذ موافقة أطراف فلسطينية وعربية متعددة عليها، لتتم مراحل جديدة تتلو المرحلة الأولى، حيث تتمثل تلكم المراحل التالية في تمثيليات متتابعة لما يوصف بضغط الشارع "الإسرائيلي" على الحكومات الصهيونية المتعاقبة، والذي يطالب باستمرار بالتراجع عن "التنازلات المؤلمة وغير المنطقية" وغير الضرورية التي تقدمها الحكومة الصهيونية الأقوى للجانب الفلسطيني الأضعف!!
وبذلك يتم إيقاف عمليات التفاوض بين الجانبين من قبل الجانب الصهيوني إيقافا تكتيكيا، لتبدأ عمليات إرهابية صهيونية ضد الفلسطينيين، حتى يتم إيصال الأمور إلى حافة الهاوية·· لكي "يأتي الفرج" على يد "حمائم السلام" في مبادرة سلمية جديدة تراعي مستجدات الداخل الصهيوني "الرافض للتنازلات"، بإعطاء جولة جديدة من التنازلات الفلسطينية إلى "حمائم السلام ناشرة الحِمَام!!" القابعة في "غرزة الإرهاب الدولي" في تل أبيب!!
فهنالك، إذا، هدف استراتيجي صهيوني، يتمثل في تحويل الاحتلال إلى جيرة، استنادا إلى التفاوض تحت ضغط الإرهاب الصهيوني، وهذا التفاوض اختير له توقيت انتظره الصهاينة أكثر من اثنتين وأربعين سنة (منذ إعلان "الدولة الإسرائىلية" عام 1948، حتى الاستفراد الأمريكي بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي)، ويتم هذا التفاوض على قاعدة "التوقيع بهدف جر الرِجل"، ثم افتعال أزمات تؤدي إلى إعادة التوقيع بهذا الوصول - خطوة بعد خطوة - إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في احتلال كل فلسطين التاريخية في المرحلة الأخيرة، سواء حدث ذلك على شكل احتلال مباشر أو احتلال غير مباشر بتعيين حكومة فلسطينية ضعيفة مأمورة، أو حكومة ضعيفة في أول الأمر·· تليها حكومة "إسرائىلية" مباشرة لتبدأ بعد ذلك، أو بالتزامن معه، جولات احتلالية "إسرائىلية" أخرى في بقاع أخرى من العالم العربي، لأن الحالة الفلسطينية ستغدو مجرد "سابقة" عندئذ!!
ولكن، يوجد عنصر واحد لم ندخله، حتى الساعة، في تحليلنا هذا، يتمثل في "خيار المقاومة" وعدم الاعتراف بالكيان الإرهابي المحتل، انتظارا لتغيّرات قد تحدث على الساحة الدولية·· لم يتهافت الصهاينة على التفاوض السلمي مع الفلسطينيين بهذه السرعة الغريبة·· إلا بسبب ارتعادهم هلعا منها، بل وربما وجود معلومات استخبارية مباشرة حول انفلات أمني عالمي عام قريب، أخذ الصهاينة بالتمهيد القانوني للتعامل معه منذ الآن!!
drjr@taleea.com
|