لعل ما يحزن حقيقة هو فقد إدوارد سعيد في فترة من فترات التاريخ الإنساني والتي سيطر فيها مبدأ القوة الوحشي على سياسات قوى دولية كثيرة على وجه هذا الكوكب، وهي فترة تتميز بالعنف لمجرد العنف، والقتل العبثي من أجل القتل والتدمير فقط· فمهما كانت الدواعي لاستخدام العنف الدموي ضد أي "عدو" يبقى الفرد العادي هو المتضرر دائما مما ينتج من قبل عقليات إنسانية لا تتجرأ على مواجهة السلام· فلقد أصبح السلام لدى هذه العقليات الإنسانية مبعثا للضعف والإذلال وعدوا يجب محاربتة!· ولكنّ سعيد قد واجه هذه القوى العبثية، واضعا يده دائما على الأسباب الرئيسية للمعضلة السياسية، موضحا وناقدا قويا وبشكل جلي وتفصيلي مركبات النظريات السياسية المدمرة· لقد ترك سعيد إرثا حضاريا و فكريا سوف يمضي الكثير منا وقتا طويلا في دراسته والتمعن في إنجازات عقلية يصعب إيجاد مثيلها· فمهما تصفح المرء الكتابات أو المقابلات الصحافية لسعيد يجد القارئ دائما موقفا مبدئيا عادلا حول جميع القضايا السياسية· لم يكن سعيد كاتبا أو مفكرا سياسيا فقط، بل أبدع في الموسيقى وفنون راقية أخرى· لقد نقد سعيد بشكل قوي يوازي مواقفه المبدئية الأخرى آخر جرائم "النظام السياسي العراقي" بحق الإنسانية: غزو دولة الكويت وقتل وتعذيب و إعدام مواطنيها· ففي كتابه Culture and Imperialism يصف سعيد الغزو البربري الصدامي للكويت بـ bloody occupation (5) s aggression against Kuwait,(20)' Iraqi', brutal occupation(131) . لم ألتق إدوارد سعيد وجها لوجه، ولكنني عرفته عن طريق قراءة بعض كتبه و مقالاته الصحافية، وبفقده قد فقدت معلما ومفكرا سوف لن تعرف قيمته الحقيقة إلا حين ينقشع غبار العاصفة الجنونية التدميرية من على وجه الكرة الأرضية· ولكن السؤال الذي يجب علينا التمعن به قبل إجابته: هل بمقدور العرب إنتاج عقلية فذّة كعقلية إدوارد سعيد؟ لعل ما كان يميز سعيد هو تنقله من مكان الى آخر، من بلد الى آخر حتى انتهى به المطاف في الولايات المتحدة· فلقد ساعد هجره القسري لوطنه و تنقله بين مصر ولبنان و الولايات المتحدة على تكوين تجربة إنسانية فريده من نوعها تماثل في ثرائها و غناها ثراء التجربة الإنسانية جمعا·
يصعب حقيقة التكهن إن كان بمقدور الثقافة العربية الحالية توفير الأسباب أو العوامل المساعدة لإنتاج مفكّر أو مفكرّة له القدرة على مخاطبة العقل الإنساني بشكل عام وله القدرة على تحدّي و مواجهة القيود المحلية الضيقة وبعث أمل في مستقبل إنساني ينعم فيه الجميع بقدر ولو ضئيل من الأمن والكرامة· الثقافة العربية الحالية تعاني الكثير من الأزمات ولعل من أصعبها هو التقوقع العرقي والثقافي المتمركز والمعتمد دائما على أساطير إنجازات قومية لم تنفّذ أصلا إلا في مواقع محلية ضيقة فقط· لقد حذّر سعيد من أخطار الفكر القومي الضيق، وهاهي الهياكل السياسية القومية تتآكل وتهترئ يوما بعد يوم· ربّما كان سعيد ناقدا غاضبا، ولكنه كان غاضبا كأي أكاديمي حقيقي ينقد بشكل محدد وبقوة فعلية حقيقية· فمهما قيل عن سعيد من نقد، فلن ينقص من أهميته شيئا بل سوف يزيد انبهار أجيال عربية حالية وقادمة بسبب ما فتحه سعيد من أبواب أمل تدعو الكثير منّا للمزيد من القراءة والتفكير من أجل الدخول فيها·
لم يمض وقت قصير على رحيل إدوارد سعيد حتى أتيحت لي الفرصة، برفقة بعض الأصدقاء الأعزاء، لحضور محاضرة لنوم شومسكي عقدت في الجامعة التي أدرس فيها في السابع من أكتوبر 2003· لقد كان شومسكي، كعادته، مبدعا و منيرا للعقل الإنساني· فهذا اللغوي والفيلسوف الذي جاوز السبعين تحدث في محاضرته التي كانت بعنوان Dilemmas of Dominance عن كيفية استخدام القوى السياسية لـ Propaganda (الدعاية الإعلامية) وتأثيرها على عقول المواطنين· لعلّ الفرد يسعد بوجود شومسكي حاليا، ولكن هناك حاجة لوجود مفكرين آخرين لديهم البريق نفسه أو على الأقل شبه البريق العقلي لسعيد وشومسكي· أحد الصفات التي تميّز بها سعيد و يتميّز بها شومسكي أيضا هو نجاحهم في رؤية أهمية التزام الأكاديمي والمفكر بالقضايا الإنسانية واستمرارهم في نقد ومحاربة الظلم مهما كان مصدره· إضافة الى ذلك، لم يكن سعيد وشومسكي يحصران نقدهما السياسي حول قضايا محلية فقط ولكنهما حاربا من أجل العدل للعدل فقط وليس لشيء آخر كمصالح سياسية وفكرية ضيقة ومحكورة في نطاق إقليمي أو محلي ضيّق· فمن هذا المنطلق، يجب على المفكر والكاتب العربي الاستفادة من تجارب هذين المفكرين عن طريق تطوير نقد سياسي واجتماعي شامل لا يناقش قضايا تتعلّق بما يحدث على النطاق المحلّي فقط، بل يقارن بين ما يحدث في الموقع المحلي وربطه بما يجري في أنحاء أخرى في العالم الواسع· نود التوضيح هنا أننا لا نؤمن مطلقا بـ Conspiracy Theory (نظرية المؤامرة) بل نؤيّد التحليل العلمي للأمور و لكن الذي يعطي مجالا قليلا لإمكانية أن الـ Objectivity ليست موضوعية بشكل كامل إن شابها تفضيل لثقافة على ثقافة أخرى· أي أن المفكر والكاتب العربي يجب أن يبتعد عن المشاعر في نقده السياسي والاجتماعي، فقد لا يستطيع قارئ من ثقافة أخرى فهم كيف يسمّي النقد نقدا سياسيا أو اجتماعيا إنّ كان يحتوي على إلغاء تام لإنسانية الطرف الآخر دون الاعتراف بأن الناقد والمنقود موجودان على وجه هذه الأرض ويتشاركان في أشياء كثيرة! أو كما صاغها سعيد في Culture and Imperialism فاتحا باب أمل جديد:
not trying to rule others, not trying to classify them or put them in hierarchies, above all, not constantly reiterating how "our" culture or country is number one... For the intellectual there is quite enough of value to do without that (336).
kaaljen@taleea.com
-----------------------------------
"الأشغال" ترد على مقال الجنفاوي
بعثت إدارة العلاقات العامة في وزارة الأشغال العامة ردا على ما جاء في مقال الكاتب خالد عايد الجنفاوي في الصفحة الثانية في العدد 1594 بعنوان: "الجهراء القديمة والواحة وتيماء مناطق كويتية منسية" جاء في نص الرد ما يلي:
يسر إدارة العلاقات العامة أن تبعث إليكم بأطيب وأخلص تحياتها، وبالإشارة الى ما ورد بجريدتكم الغراء بعددها الصادر بتاريخ 13 سبتمبر 2003 تحت عنوان "الجهراء القديمة والواحة: مناطق كويتية منسية" بشأن الروائح المنبعثة من محطة تنقية مياه الصرف الصحي بالجهراء وصيانة شوارع تيماء·
في إطار حرص الوزارة على تجديد وصيانة كل مرافقها وخدماتها فإن قطاع الهندسة الصحية قد أدرج مشروع تطوير وتوسعة محطة تنقية مياه الصرف الصحي بمنطقة الجهراء ضمن خططها المقبلة، علما أن فرق العمل تحرص على إجراء القياسات الدورية لتركيز الغازات داخل محطات التنقية بشكل عام بما يؤمن سلامة الأهالي والعاملين بالموقع·
هذا وفي الوقت الذي قامت إدارة صيانة محافظة الجهراء بإدراج شوارع منطقة تيماء ضمن برنامج الصيانة فإن إجراءات إقرار توسعة الشوارع ليست من اختصاص وزارة الأشغال العامة·
مع أطيب التمنيات |