لا يكفي أن تكون بيننا مطالبات دائمة حول أهمية الحوار من الناحية التنظيرية كي نقضي على العنف والتطرف ونتحاشى أساليب القتل المجاني الذي يحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية·· صحيح أننا تعلمنا من التجارب أن غياب الحوار كاستراتيجية تنظم العلاقات بين مجموع القوى المتفاعلة في أي مجتمع يؤدي الى تهديد الجميع بالانقسام ويدخلهم في غياهب الفتن رغم استمرار الحوار بينهما ولكن لنا أن نسأل كيف صارت الأمور نحو التفريع والتفتيت والمواجهة المسلحة رغم وجود الحوار وتوفر قنواته؟!
باعتقادي أننا ومنذ بحر فترة ليست بالقصيرة بتنا نتحاور شفهيا وتحريريا و"انترنتيا" من غير أن يكون هناك بين مجاميع المتحاورين أجندة شاملة ومبادئ عامة يتفقون عليها كثوابت نهضوية وتجديدية، أي أننا وصلنا اليوم الى حوار التحدي وبالشعبي حوار "الطرشان" إلا ما ندر جدا وهي حالات شاذة لا يمكن التعويل عليها كثيرا، فكل يغني على ليلاه، دون طائل أو حاصل، فما نحتاجه اليوم هو إعادة هيكلة لطرق التفكير الحر ومن أجل ذلك فمن الضروري أن يؤمن قادة الرأي أن هناك مستوى ودرجة من الأخلاق لممارسة الحوار بعيدا عن المسبقات أو المواقف التاريخية الداكنة والنوازع الضيقة والتفرد السلطوي على الآراء، ونبذ كل أشكال التعصب سواء كان تعصبا أعمى أو تعصبا مفتحا لا فرق!
في مجتمعنا الصغير يبدو أننا نتصارح في الحوارات لكن ومن خلال تعايش ملموس، ما زلنا نضيق بالرأي الآخر فنجامل في الموقف الذي يتطلب مكاشفة ونتنازل ليس عن قناعة بل لحسابات وإسقاطات لمفاهيم غريبة عن تطلعات حياتنا الثقافية والاجتماعية·
لقد عانت شعوبنا الويلات والكوارث وما زالت تعاني من جراء التعصب وسوء الظن والنزوع الاستبدادي والعقلية المتحجرة التي تزاوح بين أفكارها ومشروعاتها الخاصة وبين الحق والحقيقة تزويرا للواقع!
فالحوار الذي ننشده ونتمناه حوار تجديدي لا يقوم على المطابقة والتماثل المميت لكل طيف أو مجموعة تسيدت، وإنما على التعدد والتنوع والمكاشفة وإيمان حقيقي بمنطق حق الاختلاف ومنطق حق الاعتراف بالآخر وصولا الى تأسيس دينامية اجتماعية جديدة تتجه صوب التطلعات الكبرى للوطن والأمة·
رشفة أخيرة
خالص الشكر والعرفان الى أركان السفارة الأردنية وعلى رأسهم سعادة السفير والملحقية الثقافية على اهتمامهم بتوفير بعض المراجع البحثية وتسهيل مهمة كاتب المقال، أكرر شكري وتقديري لهم، ومما لا شك فيه أن هذا ليس بغريب على الإخوة في السفارة الأردنية الشقيقة وعساكم دائما وأبدا على القوة·
mullajuma@taleea.com |