التاريخ: 11 مارس 2004
المكان: الميدان الكبير لمدينة سلمنكا الإسبانية
الساعة: الثامنة مساء
رجال ونساء، شيوخ وأطفال، طلبة وأساتذة، الجميع وقفوا يرددون: Asesinos اختلطت الصيحات الغاضبة بدقات الساعة الضخمة، وفضح بريق الشموع وجوها شاحبة وأعينا حزينة! رددت معهم بكل ما أوتيت من قوة: سفاحون·· قتلة·· مجرمون!
على يميني، وقف شابان يتهامسان:
- جماعة "إيتا" الإرهابية؟
- بل الإرهاب الإسلامي هو من فعلها!
شعرت بملايين الأصابع تشير ناحيتي! تلاشى صوتي شيئا فشيئا، فانسحبت من بين الصفوف ورحت أجوب شوارع المدينة الرمادية مكبا على وجهي لا ألوي على شيء! لماذا عدت إلى هذه المدينة بعد أن هجرتها في عام 2000؟ لماذا أعود إليها في هذا اليوم النحس بالذات؟ مررت بجامعتي فاستنكرتها·· أو هي استنكرتني! وقفت أمام شرفة منزلي القديم·· لا مكان للزهور في الشرفة! وحده كشك العجوز "خوان" لم يتغير·· كم ربح مني هذا العجوز على مدى خمس سنوات؟ جريدة كل صباح بقيمة 225 بيزيتا! هل مازال يذكرني العجوز "خوان"؟!
لماذا تبدو لي كل الوجوه غريبة؟ أين هم زملاء الدراسة؟ كم تمنيت لو ألقى واحدا منهم، واحدا فقط ! ينبغي تقديم العزاء و·· الاعتذار أيضا! الاعتذار عن ماذا؟ لا أدري؟ مازالت كلمات أستاذة الأدب الإسباني ترن في أذني: "الطلبة الأجانب جسور بين الثقافات"! لكن هناك يا أستاذتي من يدك تلك الجسور، يلغمها، يحرقها، يهدها فلا يبقي ولا يذر!!
ميدان المدينة الجميل، ذلك الذي طالما كان مكانا للاحتفال بأعياد الميلاد، وبيوم الكتاب العالمي، وبألحان موسيقى "التونا" يعزفها طلبة الجامعة وطالباتها! ساعة الميدان الضخمة، ذلك المكان الأزلي حيث تضرب المواعيد ويلتقي الأصدقاء! أين ولى كل هذا؟! ما لي لا أرى سوى دموع تفضحها الشموع!!
ملاحظة: في ذلك اليوم المشؤوم، التقيت بمواطن عربي مقيم في إسبانيا منذ مدة طويلة، فتحدثت معه عن تفجيرات مدريد، وأذكر أني ترحمت على أرواح الأبرياء أمامه، فأجابني قائلا: "لا يجوز يا أخي الترحم على غير المسلمين!!" أمام هذه الكلمات الوحشية لا يملك المرء، على حد تعبير دوستويفسكي، سوى أن يغلق الكتاب باصقا!!
fahad@taleea.com |