لماذا تدنت لغة الحوار في مجتمعنا بهذه الصورة؟؟ وكيف أصبح الاتفاق شبه مستحيل في كل حواراتنا ومناقشاتنا أيا كانت مواضيعها؟ ينشأ الحوار عادة·· كمقدمة للخروج باتفاق يرضي الأطراف المتحاورة·· فإما أن أقنعك أو تقنعني· لكنه في مجتمعاتنا العربية يبدأ وينتهي من دون اتفاق إن لم يسبب المزيد من الاختلاف حتى أصبح الهدف من وراء حواراتنا مغيبا أو غائبا وبصورة حولت كل حواراتنا إلى حلبات صراع شرسة·
قد يعود ذلك إلى أننا جميعا نخزّن في ذاكرتنا نزعة إلغاء الآخر كأسلم الطرق وأسهلها للبقاء والاستمرار·
وقد يرجع ذلك إلى خوفنا ورهابنا من التغيير الذي قد يحدثه الاتفاق مع الرأي الآخر، وقد يكون السبب في عجزنا عن فهم الثقافة الديمقراطية، وخوفنا من الالتزام بقواعدها بدءا من الأسرة مرورا بالمجتمع، ووصولا إلى قاعات التمثيل الرسمي في الدولة ومؤسساتها!
ولعل في تلك الأسباب كلها أو بعضها ما يفسر تلك النزعة العدوانية التي سيطرت على تصريحات بعض نواب مجلس الأمة في حوارهم حول حق المرأة السياسي!! وهو بالمناسبة لم يكن حوارا وإنما قذفا واستهزاء بالآخرين·· طغت فيه نزعة الخوف من التغيير والرغبة في وأد وحجر الرأي الآخر، والجهل بشروط الانتماء لمؤسسة ديمقراطية كمجلس الأمة·
في كل مرة تتحول فيها دفة الحوار في الكويت بهذه الصورة·· يزداد يقين المواطن بحاجتنا الضرورية لعمليات إصلاح جذرية وشاملة وذلك لكي نتمكن من العبور من بوابة النهضة الشاملة التي سبقنا فيها العالم من حولنا وبمراحل كبيرة·
تشير الظروف الموضوعية السائدة الآن في الكويت إلى أننا قد أصبحنا بحاجة إلى التغيير بهدف الإصلاح الشامل أكثر بكثير من أي مرحلة سابقة، وأيضا إن عملية المخاض السياسي والاجتماعي التي عادة ما تسبق التغيير الجذري قد نضجت وبصورة أصبحت تؤهلنا لشن عمليات الإصلاح الشاملة·
وأول تلك الظروف يتلخص في عجز واضح للقيادات والمؤسسات الموجودة عن تحقيق أدنى مقومات الإصلاح المنشود، ولعل في أداء مجلس الأمة، وبعض المسؤولين في الدولة ما يشير وبوضوح إلى درجة مثل هذا العجز·!!
أما ثاني تلك الظروف فهو فيما نشهد من أزمات متتابعة تهز بنية الكويت وتهدد أمنها واستقرارها، وتثير لدى المواطن إحساسا قويا بحاجته لمشروع إصلاح شامل·
ويأتي ثالث الظروف من خلال النشاط والتحرك الملموس على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، والأفراد والذي أصبح يلح أكثر من أي وقت مضى على ضرورة البدء بإصلاح الأوضاع القائمة!·
نعود إذا من حيث بدأنا لنقول بأن ما شهدناه من تراجع وإسفاف في لغة الحوار يعود أساسا إلى سيطرة فكرة إلغاء الآخر، والخوف من التغيير الذي قد يجلبه الإصلاح على كل مفردات ومشاعر أولئك الخارجين عن لغة الحوار وأدبه·
والمخرج من ذلك لا يكون بالتوقف طويلا عند الأسباب وإنما بشق طريق جديدة تكون سالكة، ومزروعة بحكمة تقبل الآخر، واحترام حقوقه أولا، وبغير ذلك ستبقى كل المخارج مغلقة·
suad.m@taleea.com |