رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962
العدد 1603

الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

يمثل خطاب الرئيس جورج بوش حول الديمقراطية أهمية كبرى في مجرى المتغيرات الجارية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لقد كانت سياسة الولايات المتحدة، والغرب عموما، كما أقر الرئيس بوش ذاته، لا تعطي اهتماما لقضية الديمقراطية ونشرها في الدول النامية، مما أكد ترابط العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالكثير من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية بل أكثر من ذلك فقد كانت تصدر تبريرات واضحة لتلك العلاقات، كما حدث في عهد الرئيس ريغان من قبل مسؤولين أساسيين في ذلك العهد مثل السفيرة جين كاربيترك عندما نظرت للعلاقة الوطيدة مع أنظمة مستبدة في دول أمريكا اللاتينية ضد حركات اليسار الثوري آنذاك، وربما كان لانهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية دور في التغيرات التي حدثت في العقل الأمريكي السياسي وانتهاجه لسياسات دعم التحولات الديمقراطية، كما جرى في دول أوروبا الشرقية وكذلك في دول أمريكا اللاتينية، حيث لم يعد ما يخيف من تزايد نفوذ السوفييت ومعسكرهم في تلك الدول، كذلك يجب الاعتراف بدور الرئيس السابق جيمي كارتر عندما كان رئيسا وبعد فشله في الانتخابات لصالح ريغان، ونزعته الرسالية من أجل الديمقراطية والسلام في العالم، لكن ما أحدث انقلابا حقيقيا في الفكر السياسي السائد في الولايات المتحدة هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر وكشفها لحقائق الأوضاع في الدول العربية والإسلامية التي تعاني من الشمولية وكيف أن أنظمتها السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية تنتج وتفرخ عناصر متشددة قادرة أن تتحول الى قوى مدمرة لا تتورع عن الانتحار·

لقد كشفت تلك الأحداث المدوية عن خلل أساسي في تقييم المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة لطبيعة الأوضاع القائمة في الدول العربية والإسلامية وعجز أنظمتها الحليفة للولايات المتحدة عن السيطرة على نزعة التطرف والتشدد المغلفين بالدين الإسلامي، لم يعد هناك من شك من أن الشمولية السياسية لا تنتج سوى التطرف الأصولي في المجتمعات العربية والإسلامية، وبالرغم من الثروة النفطية في البلدان العربية والخليجية أساسا، إلا أن ذلك لم يمنع أولئك الذين تمتعوا بالثروة والبحبوحة والمستويات المعيشية المعقولة من تبني الفكر الأصولي المتشدد والمناهض للديمقراطية والتسامح والمعادي للحضارة الإنسانية والغرب على وجه التحديد، ألم يكن أسامة بن لادن ينتمي لعائلة ثرية تمتعت بخيرات النفط ونهلت من الثقافة الغربية وتعاملت مع أدوات الاستثمار والمال في العالم الصناعي؟ إذن كيف يمكن لمثل هذا الرجل، بالمقاييس الغربية التقليدية، أن يصبح زعيما لأهم تنظيم إرهابي يستهدف كل ما هو غربي، وأمريكي بشكل خاص؟ ثمة خلل في البنية الثقافية لمجتمعات متخلفة تعاني من غياب الديمقراطية وانعدام التسامح الثقافي، لقد أكد الرئيس جورج بوش في خطابه بأنه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية، وقد يكون ذلك صحيحا من حيث القيم الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، لكن التراث الذي امتد على مدى قرون وعقود وسنوات طويلة ما زال يمثل عقبة مهمة أمام تطوير منظومة القيم في البلدان العربية على وجه التحديد، هناك انقطاع حقيقي بين نتاج ومخرجات الحضارة الإنسانية بتطورها التقني والثقافي والمعتقدات والقيم السائدة في المجتمعات العربية، لا تزال هذه المجتمعات تعاني من هيمنة العلاقات القبلية والانتماءات الطائفية والولاء للزعامات المتحكمة بقوت الناس، كذلك لم تنتعش مؤسسات المجتمع المدني بما يحول دون استمرار هيمنة العلاقات التقليدية المتخلفة المشار إليها آنفا وذلك نظرا للتحولات السياسية التي جرت في سنوات القرن العشرين وعطلت البنية المدنية بعد هجرة أهل الريف الى المدن وسيطرة العسكريين وذوي الجذور الريفية والبدوية على مقاليد السلطة في أكثر من بلد عربي، ومما لا شك فيه أن تلك الوقائع نتجت عن تحولات اقتصادية مثل قوانين الإصلاح الزراعي التي عرقلت التنمية الزراعية ودفعت الكثير من أبناء الريف لغزو المدن بحثا وراء الرزق، في الوقت ذاته لم تبذل الجهود اللازمة لتحويل الأرياف الى مراكز منتجة وقادرة على تطوير كفاءة سكانها وتثقيفهم وتمكينهم من التواصل مع التطورات المعاصرة، إن أي نظرة موضوعية على أوضاع الدول العربية تشير الى حقائق اقتصادية وسياسية لا يمكن أن تكون زاهية، فهناك ارتفاع متزايد في أعداد العاطلين عن العمل يغذيه النمو الديمغرافي غير المنضبط وتراجع مستويات المعيشة، كما أن هذه الدول التي تحكمها، بشكل واضح أو مغلق، أنظمة سياسية شمولية تعاني من تراجع الأداء الاقتصادي الناتج عن أنظمة الاقتصاد الموجه، أو ما يطلق عليه برأسمالية الدولة، وإذا كانت الديمقراطية تنتعش في ظل اقتصادات السوق الحر وكفاءة القطاع الخاص فإن الأنظمة الاقتصادية في الدول العربية قد جعلت من القطاع الخاص هامشيا وغير فعال في التنمية الاقتصادية، لقد أدت هذه الحقائق الاقتصادية الى بناء طبقات اجتماعية منتفعة من الريع الوطني والإنفاق الحكومي، وليس ذلك مقتصرا على الدول العربية الغنية بالنفط، حيث توظف العائدات من أجل تنفيع مختلف الطبقات، بل يشمل معظم الدول العربية التي اختطت طريق رأسمالية الدولة أو نظام الاقتصاد الأبوي، لا ريب أن هذه الأوضاع أكدت على غياب المؤسسات المدنية الفاعلة والأحزاب السياسية التي تعمل على تطوير برامج سياسية مطلبية، يضاف الى ذلك أن الحركات المعارضة اختطت طروحات غير ديمقراطية وعمدت لانتهاج فكر التغيير من خلال الانقلابات والثورات، وهي قيم سياسية معادية لمبادئ الديمقراطية والتغيير السلمي والإصلاح·

إن الديمقراطية، بالرغم مما سبق ذكره، هي قيمة إنسانية صالحة لكل شعوب الأرض، كما أن تلك الشعوب قادرة على أن تستوعب الديمقراطية قيما وأنظمة، وليس أدل على ذلك التحولات التي جرت في العقود الماضية في دول آسيا الشرقية أو في دول أمريكا اللاتينية أو في أوروبا الشرقية، لذلك فإن إمكانية تطوير أنظمة ديمقراطية في البلدان العربية ليست من المهام المستحيلة، وإن كانت صعبة، لكن ما يجب توفيره هو قناعة الأنظمة السياسية الحاكمة لكي يحدث التغيير بسلاسة وتوفير الأرضية الثقافية وعلاج معضلات التعليم، أهم من ذلك هو تحرير الاقتصاد من هيمنة الدولة لكي يمكن إلغاء مراكز النفوذ السياسي المعتمدة على الانتفاع، ولكي تصبح الديمقراطية واقعا حيا وليس ديكورا يسود فيه الحزب الحاكم كما هي الحال في عدد من الدول العربية التي ادعت الديمقراطية تجميلا لأوضاعها، وما يتبع تحرير الاقتصاد قيام بنية مؤسسية تعتمد الثقافة والعلانية والعدالة لكي تأتي الممارسة السياسية بعيدة عن المنافع والمصالح الضيقة، وإذا كان التعليم مفتاحا للتحول الديمقراطي والانفتاح الثقافي فيجب أن تتمكن الدول العربية من القضاء على الأمية بكل صورها، التقليدية والحديثة، وجعل هذا النظام التعليمي قادرا على تحرير الإنسان من قيم الخرافات والتخلف ومنحه الشجاعة والجراءة في إبداء الرأي·

tameemi@taleea.com  

�����
   
�������   ������ �����