يجب أن يعطى العراقيون الفرصة لتكوين نظام سياسي ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان ويسمح بالمعارضة السياسية والانتخابات الحرة، فمن المستحيل توقع نتائج سريعة لمشروع أيديولوجي ضخم كهذا يتطلّب تغيير الأسس الفكرية للمنظومة السياسية العراقية، ومازالت بقايا العصابات البعثية تعيث فسادا وتدميرا في شوارع المدن العراقية، فقد استغرق تطور الديموقراطيات الحديثة كثيرا من القرون لكي تنمو من ديموقراطيات بدائية بنيت على الأمثلة الأغريقية والرومانية الى ماهي عليه الآن، نحن نتوقع أن الطبقة المثقفة العراقية، والشعب العراقي يطمحان لتحرير وطنهما وتنظيفه من بقايا العصابة البعثية، ولهما القدرة كذلك على إيجاد القواعد الفكرية والسياسية "المناسبة" لظروفهما المحلية لتسريع عملية الانتقال الديموقراطي·
نريد أن نوضح هنا أيضا أن الهجوم الإعلامي الشرس على الولايات المتحدة من قبل بعض النظم السياسية والقنوات الفضائية التابعة لها،لا يبتعد كثيرا عن أن يكون سوى علامات خوف مما هو آتٍ لا محالة وهو مطالبة الشعوب بحرياتها الإنسانية الأساسية والتي خطفت وقيدت من قبل نظم سياسية مصت دماء هذه الشعوب واستغلتها بما فيه الكفاية، فليس لدى هذه القنوات أوالمسؤولين عنها القدرة على طرح خيار آخر بالنسبه الى الوضع في العراق، فمن غير الممكن أن يطرح طرف معروف إرثه السياسي مقدّما حلاّ ديموقراطيا، وهو لا يعرف الفرق بين صندوق الاقتراع، وصندوق أدوات التعذيب في السجون المظلمة، المهم هنا هو إعطاء التجربة الديموقراطية العراقية وقتها المناسب لكي تتطوّر وتنمو، فالولايات المتحدة لا يمكن أن تبقى كثيرا في العراق، فإضافة الى الضغط الشعبي الأمريكي المتنامي لإرجاع القوات الأمريكية لوطنها، ليس هناك مصلحة أيديولوجية أو اقتصادية معيّنة تستدعي استمرار وجود هذه القوات في العراق(نظرية طمع الولايات المتحدة في السيطرة علي نفط العراق هي سخرية في حق عقول المراقبين المعتدلين في تحليلهم للأمور فالسيئ ذكره قد بعثر ثروات العراق النفطية، إما في بناء تماثيل هُبلية له في المدن العراقية، أو في بناء قصوره الواهية، حينما كانت عيون أطفال العراق تزوغ من الجوع والعطش والأسى!)الأمريكيون يدركون هذا الأمر، أو على الأقل هذا ما نقرأه في تصريحاتهم المستمرة حول هذا الموضوع، ويريدون المغادرة اليوم قبل غد، ولكن ليس قبل أن تبدأ العراق في بناء قواعد ديموقراطية صلبة·
إن تأسيس نظام سياسي ومجتمع ديموقراطي له متطلبات اجتماعية وثقافية واقتصادية معينة يجب أن توجد أولا قبل أن نحكم إن كانت التجربة الديموقراطية ناجحة أم غير ناجحة، فقد نمت الديموقراطية في الولايات المتحدة خلال عقود طويلة قبل أن تتحقق فيها المساواة الاجتماعية والسياسية (وهي ليست مثالية أو كاملة كذلك)· فعلى سبيل المثال لم يمض وقت طويل نسبيا عندما كان المواطنون الأمريكيون السود يرغمون عند صعودهم الحافلات العامّة في مناطق الجنوب الأمريكي، بشكل خاص، على الجلوس في أماكن مخصصة لهم حتى لا يكونون قريبين من المواطنين البيض· الديموقراطية غير ممكنة في العراق في ليلة وضحاها، ويجب أن يعطى العراقيون الفرصة، كباقي شعوب هذا الكوكب، لتنفّس الصعداء واستنشاق الحرية بعد مضي عقود طويلة عرّفت فيها الأنظمة السياسية التي حكمت العراق "الحرية" بأنّها إما حرية في قتل واغتصاب الأبرياء في بهو المخابرات أو الحرية في اختيار طريقة الموت المناسبة!
kaaljen@taleea.com |