رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 20 رمضان 1424هـ - 15 نوفمبر 2003
العدد 1603

الالتفاف على الديمقراطية في الكويت
علي محمد البداح

عندما نتحدث عن الديمقراطية في الكويت فإننا نقصد توافر بعض مظاهر الديمقراطية: وجود مجلس نيابي منتخب، و صحافة حرة، وقضاء مستقل في ظل دستور عام وقوانين تنظم الإدارة والعلاقات في الدولة، ويفترض لدولة في هذه المنطقة من العالم أن يكون توافر هذه المظاهر سببا من أسباب التقدم وتميز الدولة على غيرها، كما يفترض أن تتقدم الديمقراطية حتى نصل الى مرحلة متطورة من تداول السلطة والمشاركة الشعبية في إدارة البلاد، وأن تصبح العدالة وسيادة القانون سمتين من سمات البلاد وحكامها ومؤسساتها المدنية·

فأين نحن من كل هذا؟ وماذا حدث للكويت خلال السنوات الأربعين الماضية من عمر الدستور؟ وهل تغير نظام الحكم عن المراحل التي سبقت الدستور؟

إن المتتبع لمسيرة الحياة "الديمقراطية" في الكويت لا بد أن تصدمه الحقائق والتغيرات التالية:

 

أولا - تطبيقات دستور الكويت:

رغم ما قيل ويقال عن تقدمية الدستور الكويتي في ضمان كثير من الحقوق للمواطنين وفي التأكيد على أن الدستور لا يغير إلا للمزيد من الديمقراطية إلا أن الدستور الكويت أعطى للسلطة التنفيذية قوة تفوق قوة المجلس النيابي الذي يفترض أنه يمثل كل الشعب الكويتي، ويقول المرحوم الدكتور عثمان عبدالملك الصالح في ورقة أعدها لمؤتمر لندن مؤرخة في 1991/2/24 في هذا الشأن "إن مجلس الأمة (باستثناء مجلس سنة 1985) لم يتمكن طيلة مدة تطبيق الدستور من مراقبة الحكومة مراقبة فعالة، ويعيد تقدير ذلك الى عدة أمور منها:

1 - عدم إمكانية مجلس الأمة من استخدام وسائله في التدخل في أعمال السلطة التنفيذية استخداما أصوليا·

2 - القيود الشديدة على حريته في التصرف والمبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية

3 - غياب التنظيم الحزبي

4 - ضعف المعارضة من الناحية العددية وتمتع الحكومة بأغلبية برلمانية ساحقة في أحضانه

5 - عدم إمكانية سحب الثقة من الوزارة، وهذا راجع الى أن الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد بالغا في ضمانات السلطة التنفيذية·" ···· إلخ·

ويرى رحمه الله أن فكرة التوازن التي أشار إليها الدستور قد اختفت من الحياة الدستورية نفسها، وأن نظرية إيقاف السلطة بواسطة السلطة، بإعطاء كل منها وسائل رقابة تجاه الأخرى قد كذبها واقع الحياة السياسية، فالسلطة التنفيذية هي المهيمن الحقيقي في واقع هذه الحياة وهي التي تمارس من الناحية الفعلية أهم اختصاصات المجلس التي أشار إليها الدستور·

وقد بينت التجربة نتيجة هذا التباين في القوة على الحياة النيابية في مراحل مختلفة كانت السلطة التنفيذية فيها قادرة على إيقاف المجلس النيابي وإدارة البلاد بدونه لمدد طويلة·

 

ثانيا - عدم اقتناع بعض أفراد العائلة بالنظام الديمقراطي:

يرى البعض أن الدستور أعطى المواطنين ممثلين بمجلس الأمة حقوقا تقيد سلطتهم وتساويهم بعموم الناس مما يضعهم في موقف ضعيف أمام الشيوخ والأمراء  في دول الخليج العربي، وأن الشيوخ فيما عدا الأمير وولي عهده ليس لهم أي مزية دستورية تشجعهم على القبول بالنظام، بل إنهم إذا قارنوا أنفسهم بالحقوق والسلطة التي يتمتع بها شيوخ وأمراء الخليج يشعرون بالغبن وربما الغضب مما آلت إليه الأمور، وكان الحكام هم  صمام الأمان الذي حافظ على عدم خروج هؤلاء عن النظام منذ إعلان الاستقلال وحتى الآن، ولكنهم مع ذلك لجأوا الى الناخبين لقلب الوضع دون تعد على الدستور أو القوانين المرعية، وشاهدنا تبني بعضهم لمرشحين يغدقون عليهم الأموال ويعملون كل ما في وسعهم لإنجاح العناصر الموالية وإيصالهم للمجلس  وبالتعاون غير المعلن مع المتنفذين في الحكومة لإيصالهم الى اللجان المختلفة، وبالتالي السيطرة على المجلس والالتفاف عليه وتفريغه من مهامه الأساسية· 

هذا الوضع خلق أيضا مراكز قوى لبعض الوزراء الشيوخ، حيث ظهر لنا الشيخ "السوبرمان" الذي يؤكد دائما أن غالبية المجلس في جيبه وأن أي قرار تحتاجه الحكومة سيمر مهما كانت أهمية هذا القرار، ويتصرف هؤلاء بلا مبالاة وكأن مجلس الأمة وقوانين الدولة لا وجود لهما، ورأينا أمثلة على هذا النوع من الوزراء خلال الأربعين سنة الماضية، بعضهم سقط بفعل الضغط الشعبي والصراع الداخلي والبعض ما زال كذلك حتى تحدث صحوة تعيد لمجلس الأمة مكانته، أو ينتفخ فيزيله المنافسون·

 

ثالثا - بروز ظاهرة نواب الخدمات:

في التسابق لكسب أعضاء المجلس فتحت الحكومة أبوابها للنواب لتقديم الخدمات و"الواسطة"، بل فتح المجال لهؤلاء للاستفادة من مشروعات الدولة ومناقصاتها مما خلق من المنصب النيابي مفتاحا للثروة السريعة، أدت الى المزيد من المرشحين القادمين لهذا الهدف فقط، ويلقى هؤلاء الترحيب وفتح المزيد من الأبواب أمامهم مما خلق سوقا رائجة ومنافسة كبيرة في التسابق على الكرسي النيابي، ورأينا كيف تطورت العملية الانتخابية حتى أصبحت تكلف مئات الآلاف من الدنانير، ثم بدأت الرشوة تتفشى من المرشحين الأفراد المدعومين أو من ممثلي بعض الأحزاب واستغلال موارد عامة في العملية الانتخابية·

لقد تحولت النيابة من تكليف شعبي  للأفضل في تمثيل الأمة الى سوق للمتنافسين على الثروة وأصبح الهدف من الوصول الى كرسي المجلس هو تحقيق أكبر منفعة خلال السنوات الأربع الأولى، فإن نجح فإنه يضمن بماله وبما يستطيع أن يساوم به من مواقف الى تجديد ولايته والاغتراف من المزيد من أموال الدولة وغيرها·

 

رابعا - تقهقر نواب المواقف:

في الفصول الأولى لمجلس الأمة دخل المجلس شخصيات سياسية لها وزنها ومواقفها المبدئية كان لها دور أساسي في تشكيل الدستور وفي العمل على تفعيله وقيام المجلس بدوره في الرقابة على السلطة التنفيذية، ولكن مع مرور السنين وظهور تأثير التدخلات في العملية الانتخابية وتغيير الدوائر وما جرى خلال السبعينات من تغيير للبنية السكانية فإن عدد ونوعية هؤلاء النواب آخذا في التقهقر، وبعد أن اتخذ كل من الدكتور أحمد الخطيب ورفيق دربه المناضل المعروف جاسم القطامي قرارا بعدم خوض الانتخابات فإن الحنكة والموقف السياسي المدروس بدأ يتقهقر داخل المجلس، وأصبحت الغلبة لنواب الخدمات ولنواب الابتزاز إن صح التعبير، وهذا التقهقر أفقد المجلس كثيرا من قوته وتأثيره في المجتمع وفي التوجهات العامة للدولة·

 

خامسا - ظاهرة نواب الأزمات:

لضعف الحكومة وكثرة أخطائها وتجاوزاتها فإنها خضعت لضغط نواب الصراخ والتأزيم وفتحت الباب لهؤلاء للحصول على كل ما يريدون متجاوزين كل القوانين والأعراف، فالحكومة حرصت على التجاوب لهؤلاء لكي تجعل من شكل المجلس أضحوكة أمام الناس، وقد نجحت في ذلك، فالناس ترى وتراقب ما يجري بين نواب الصراخ والحكومة من تبادل للمنافع· فلم تعد تأخذ الصراخ بجد، ووجد الناس في هؤلاء وسيلة لإنجاز معاملاتهم وللتوظف وربما الحصول على التفضيل في بعض الأعمال الحكومية· أعمال التأزيم التي تنتهي بلا شيء، في الوقت الذي تتم فيه عملية التنفيع خلف الكواليس أثرت أيضا على نظرة الناس للمجلس واحترامهم له·

 

سادسا - ممثلو الأحزاب الدينية:

أثر نواب الأحزاب الدينية في مسيرة المجلس في محاولاتهم الدؤوبة لتغيير القوانين بما يتلاءم وما تطرحه أحزابهم· وقد حاولوا تغيير الدستور وخلق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقدموا عددا من المقترحات التي لم يستطع المجلس التصدي لها لحساسيتها فأعادوا البلاد الى الوراء في كثير من الأمور التي لا تتناسب وعالم اليوم مثل قوانين الاختلاط في مقاعد الدراسة· ولكن الإساءة الأعظم أتت من انكشاف اللعب السياسي المزدوج مع الحكومة وتبادل المنافع سواء المنافع السياسية أو المنافع الاقتصادية· وفقدوا مصداقيتهم عند الكيل بمكيالين في محاسبة الوزراء  مما أحبط الكثير من الناس وخاصة شباب الأحزاب الإسلامية الذين توقعوا أداء أفضل ومواقف أكثر أمانة وطهرا·

 

سابعا - الوزراء النواب:

لم تحسن الحكومة والمجلس اختيار الوزراء من مجلس الأمة، ورغم عمق وأهمية الهدف من مشاركة وزراء منتخبين في مجلس الوزراء إلا أن غالبية هؤلاء لم تحسن الأداء ولم تقم بالدور المطلوب في إثراء أهداف المشاركة الشعبية في الحكم· وكان المتوقع أن يكون للوزير المنتخب ثقل ودور أكبر في تمثيل الأمة في السلطة التنفيذية إلا أن التجارب أثبتت انحياز الوزير النائب الى أبناء دائرته وتمرير معاملاتهم وإساءة استخدام السلطة وتجييرها لإعادة انتخابه مما خلق أزمات كبرى ومعوقات للتطوير الإداري أساء لهؤلاء النواب والى هذ الحق الدستوري إساءة كبيرة·

 

ثامنا - عمومية التعبير وخصوصية التقرير :

حرية التعبير في الكويت متاحة بقدر أكبر من أي دولة في الشرق الأوسط بعد لبنان· وتزخر صحفنا وجرائدنا بالكثير من النقد للحكومة ولمجلس الأمة وبمساحة معقولة من طرح الفكر السياسي والتعبير عن مواقف التكتلات السياسية· ولكن يبدو أن السلطتين التنفيذية والتشريعية قررتا ألا يكون هناك تداخل بين حرية التعبير وخصوصية التقرير· فللناس أن يقولوا ما يشاؤون وللحكومة أن تفعل ما تشاء ولم لا والسلطة  التشريعية أصبحت في الجيب؟

 

النتائج العامة:

المهمة الأساسية لمجلس الأمة هي التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، لو تتبعنا المحصلة لعمل المجلس ولجانه فإننا لا نجد الثورة التشريعية التي يريدها الناس· أي أن كثرة القوانين التي نوقشت باللجان والتي رأى النور بعضها ومازال الكثير في الأدراج لا تقدم جديدا يتناسب والتقدم الحاصل في العالم· كما أن كثيرا من القوانين " غير الدستورية " لا تزال تطبق رغم كثرة ما كتب عنها ورغم المطالبات الشعبية بتغييرها·

وحين يتابع الناس الأداء العام فإن لغة النقاش وأساليب العمل في المجلس تزيد من إحباط الناس وتضيع الكثير من وقت المجلس، حتى أصبح بعض نواب المجلس مكان تندر في الدواوين، خاصة بعد إذاعة جلسات المجلس في التلفزيون· والتساؤل الذي يردده المواطنون بعد كل جلسة: وماذا بعد هذا الجدل والصراخ حول أداء الحكومة أو حين مناقشة الخطاب الأميري؟ لماذا لا يخرج المجلس بنتيجة محددة؟ ولماذا تنتهي الجلسة بتسجيل المواقف فقط دون تحويل النتيجة الى قرار أو تعديل في قانون أو الوصول الى إلزام الحكومة لتنفيذ ما تمت مناقشته أو اتخاذ قرار واضح تجاه المخالفات والتجاوزات، أو دعم توجه جيد لدى وزير أو مجلس الوزراء؟ لماذا تنتهي جلسات المجلس من دون شيء؟

تكرار هذا من الأسباب المحبطة والمضعفة للمجلس ودعم الناس له·

هذا الوضع الخطير أدى الى تفاقم الفساد في البلاد، وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وضياع الحقوق وهيبة القانون، وبالتالي اهتزاز ميزان العدالة· وفي غياب ديمقراطية حقيقية دخلت البلاد في أزمات كبرى نذكر منها على سبيل المثال مايلي:

1 - أزمة سوق الأوراق المالية أو ما سمي بزلزال المناخ حيث كان لغياب الدور السليم لمجلس الأمة وللحكومة أثره في إيصال البلاد الى مرحلة خطيرة عصفت بأموال الناس وأموال الدولة ومازالت آثارها المدمرة تنسحب على كثير من المواطنين·

2 - سرقة استثمارات الدولة وشركاتها وهي قضية لا يمكن أن تحدث لولا غياب القانون وهيبة مجلس الأمة وتراخي الحكومة·

3 - احتلال الكويت وتدميرها في الفترة التي حل فيها مجلس الأمة·

4 - ازدياد النعرات القبلية والطائفية والمصلحية· إن الكويت هي البلد الوحيد المقسم حسب شهادة الجنسية الى كل ألوان الطيف العنصري ولم يفعل مجلس الأمة أو الحكومة ما يذيب الفرقة وتقسيم الناس حتى بقرار واحد وبسيط يلغي على سبيل المثال صفة الانتماء الى أي فئة خاصة من اسم المواطن· لقد نمت الأساليب المطبقة في الانتخابات لكل المجالس الشعبية في الكويت والمنافع التي عادت على الفائزين كل أنواع التحزب والتكتل وشجعت على الانتخابات الفرعية بكل أشكالها، في الوقت الذي تهدف فيه العملية الديمقراطية الى إذابة كل أشكال التكتل والفرقة بين الناس·

5 - تدهور الخدمات الحكومية وتعقدها مما زاد من الرشاوى والتنفيع على حساب المواطن وأداء الحكومة· ولم نر من مجلس الأمة ما يعالج هذا الوضع، واكتفى بعض النواب في تمرير معاملاتهم وسرعة إنجازها على حساب عموم الناس وسلطة القانون·

6 - تفاقم مشكلة البدون والإساءة لمكانة الكويت في محافل حقوق الإنسان بعجز الحكومة والمجلس عن اتخاذ قرارات إنسانية بحق هؤلاء·

7 - ضعف الحماس للعمل الجاد واعتماد الناس على ما تجود به الحكومة مما خلق جيشا من الكسالى والمتذمرين والمتسلقين· فغياب خطة حكومية لتشجيع الكفاءة والاجتهاد والمبادرة وفتح الفرص للعمل الحقيقي المنتج أدى الى تأخر البلاد بعد أن كانت درة الخليج وعنوانا للرقي بينها، وجاء مجلس الأمة ليزيد من تشجيع الكسل وسرقة فرص الكفاءات وزيادة الغرف من أموال الدولة لمن لا يعمل·

هذا هو وضعنا الحالي بعد أربعين عاما من تطبيق الدستور، تغيرنا للأسوأ بعد أن تم السطو على دستورنا وديمقراطيتنا وتم بناء عليه تشويه شخصية الكويتي وتحويله الى آلة للاستهلاك يسترزق من الحكومة من دون عمل حقيقي أو دور فاعل في تنمية المجتمع· وقد دفعت الكويت ثمنا باهظا نتيجة لذلك وسندفع ثمنا أغلى وأسوأ إذا لم نعد للأبجديات ومبادئ الديمقراطية الحقة وقيام الناس بدور جاد في عملية البناء والتطور·

كيف يمكن أن نصلح ما انكسر وكيف نعيد للبلاد مكانتها ونحييها على أسس من الأخوة والمحبة والمساواة والعدالة؟ كيف نشارك مشاركة فعلية في إدارة بلادنا وتطويرها وإعادة بناء الإنسان فيها؟ كيف نفعل مواد الدستور ونعمل بروحه ونحقق أهدافه وآمال واضعيه والشعب الذي انتخبهم؟

إن الأمر كله بيد الشعب ولكن من يقود رغبة وتطلع الشعب للإصلاح قبل فوات الأوان؟

�����
   

السيد مقتدى الصدر:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإرهاب في السعودية!!:
سعاد المعجل
أعطوا مجلس الحكم العراقي فرصته:
يحيى الربيعان
أنـــا كذاب:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
الحريات الصحافية في دبي
لماذا غابت عن " جوائز الحرية " ؟:
ناصر يوسف العبدلي
الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة!:
عامر ذياب التميمي
أخبار مقلقة من السعودية:
د. محمد حسين اليوسفي
الديموقراطية في العراق: أعطوهم بعض الوقت:
خالد عايد الجنفاوي
الالتفاف على الديمقراطية في الكويت:
علي محمد البداح
الموقف!!:
عبدالله عيسى الموسوي
العلاقات العراقية - الكويتية:
حميد المالكي
التيار السلفي الجهادي:
صلاح الفضلي
بازار الاغتيالات في العراق!:
بدر عبدالمـلـك*