ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك شهدت حدثاً جسيماً هز الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية· ففي هذه الليلة تسلل بعض الإرهابيين من تنظيم القاعدة بسيارة عسكرية مسروقة إلى مجمع سكني ليفجروه في عملية انتحارية كانت حصيلتها ( إلى يوم الأحد الفائت ) سبعة عشر قتيلاً وأكثر من مئتي جريح معظمهم من الأطفال والنساء العرب!! والعجيب في الأمر أنه رغم كل التحذيرات التي أطلقتها الحكومة الأمريكية من عزم بعض المتطرفين القيام بأعمال إرهابية، والتي تمثلت في إغلاق سفارتها، ورغم كل الاحتياطات التي اتخذتها السلطات السعودية إلا إن الإرهابيين قد نجحوا في اقتحام ذلك المبنى بطريقة محكمة تدل على خبرة في التكتيك العسكري· وهذا بحد ذاته يثير أكثر من تساؤل!!
وهذا التفجير المرعب يأتي بعد يومين من تفجير إرهابيين نفسيهما في مكة بعد مطاردة من قوات الأمن السعودية· وكان آخر تفجيرات هزت الرياض وقعت في 12 مايو الماضي، حيث وقعت ثلاثة انفجارات راح ضحيتها 23 شخصاً بينهم تسعة من الأمريكان وجميع منفذي العملية وعددهم اثنا عشر· ثم أعقب تلك التفجيرات اكتشاف مخابئ للأسلحة والذخائر كثيرة في مناطق متعددة من المملكة العربية السعودية آخرها كان في مكة المكرمة!! وجرت منذئذ اعتقالات متعددة لهذه العناصر التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، حيث بلغ عدد المعتقلين - حسب نشرة أخبار الـBBC باللغة الإنجليزية مساء 11/9- نحو 600 عنصر·
وتأتي هذه الأحداث المؤسفة في الوقت الذي يتجه فيه المجتمع السعودي إلى مزيد من الانفتاح، حيث أعلنت الحكومة قبل مدة نيتها إجراء انتخابات لمجالس بلدية في العام المقبل، وتحويل مجلس الشورى المعين إلى مجلس يأتي عن طريق الانتخاب بعد ثلاث سنوات، وحيث يشهد المجتمع المدني السعودي نشاطاً يتمثل في عريضتين قدمتا للأمير عبدالله تدوران حول عملية الإصلاح وقيام الصحافيين السعوديين بإنشاء جمعية تمثلهم وغيرها من التحركات الحميدة الهادفة إلى تطوير الحياة السياسية في المملكة بأسلوب راق يتمثل بالحوار والنقاش والتداول· إن هذه الأعمال الإرهابية تخرب هذا التوجه الذي يسير إلى الانفتاح، وتشتت انتباه المجتمع إلى عملية محاربة الإرهاب واستئصال شأفته، وهذه عادة ما ترتبط في المخيلة العامة بالإجراءات الأمنية·
ولا شك أن المحاربة الأمنية لهؤلاء ضرورية لأنهم يقومون بأعمال إرهابية تزهق أرواح الأبرياء وتتلف الأملاك العامة والخاصة، إلا إن الحل الأمني يجب ألا يكون الحل الوحيد، بل لا بد أن يرافقه حوار ونقاش حر داخل المجتمع وبالذات في أوساط الشباب حول هذا الفكر المتطرف فضلاً عن حل مشكلة البطالة التي تقدر بـ%20 وخصوصاً في أوساط الخريجين، إذ إن البطالة تمثل مرتعاً خصباً لتلك الأفكار في دولة غنية بمداخيلها النفطية الهائلة·
إن هزيمة فكر التكفير والغلو هو الهزيمة الحقيقية للإرهاب·
alyusefi@taleea.com |