رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 20 رمضان 1424هـ - 15 نوفمبر 2003
العدد 1603

العلاقات العراقية - الكويتية
حميد المالكي
hamid@taleea.com

شبيبة العراق وشبيبة الكويت لايدركون جوهر العلاقة التاريخية بين شعبيهما مثلما يدركها الرواد الأوائل الذين عايشوا تلك الحقبة الزمنية، تلك الانعطافة التاريخية الكبرى في حياة الكويتيين عندما تفجر النفط في أراضي دولة الكويت وأغدقت السماء النعم الوافرة حيث بدأت الخطة التحديثية الكبرى لبناء الكويت الجديدة المعاصرة·

كان الرواد الأوائل الأموات منهم الذين طيب الله ثراهم أو الذين امتدبهم العمر إلى الزمن الراهن يختزنون من الحقائق والذكريات والأحداث عن بداية المرحلة الجديدة وعن بداية نمو علاقات جديدة واسعة ومتنوعة مع أشقائهم العراقيين الذين توافدوا على الكويت للعمل والتجارة·

إنها الذاكرة التي من الواجب إنعاشها وإزالة ما تراكم عليها من شوائب وضرائب لتدب الحياة فيها من جديد لتصحو وتكشف عن حقائق تلك المرحلة البكر التي دشنتها الكويت وفتحت أبوابها مشرعة رحبة لكل قادم يبحث عن الأمان والرزق الحلال، إنها الذاكرة التي يجب إنعاشها وإزالة حالة الركود والكسل والسكون عنها لتبدو على حقيقتها وحراكها مخزنا أمينا لحالة لانظير لها بين العراقيين والكويتيين نبتت فيها وطرزتها المحبة والتآخي والتواصل والتراحم، إنها لوحة جميلة من الذكريات، حقل ناضر بهيج عندما كان العراقيون والكويتيون تمتلىء بهم المقاهي والأسواق والديوانيات عبر سنين طولية يتبادلون الهموم والآمال في ليالي السمر حيث الطرائف والظرائف والكلام البديع·

وفي العراق تجد الكويتيين في كل مكان، في البصرة والزبير وأبي الخصيب والهارثة والخورة والفاو ولواء المنتفق "الناصرية" وأطراف مدينة السماوة والنجف وسامراء أما هواة الصيد فتجدهم يقنصون في الجزيرة وتجدهم في شمال العراق حيث مصايف صلاح الدين وسواره توكه وسرسنك وشقلاوة أو في الموصل وبغداد إنها ذاكرة العراقيين والكويتيين التي حاول صدام وعصابته أن يمسحها ويلعنها ويلغيها لكنه فشل وسقط في مزبلة التاريخ·

لقد بدأت العلاقات بين الشعبين عندما بدأت الكويت بتصدير النفط وتسلم العائدات حيث ازدهرت الحركة الاقتصادية فيها، مواردها هائلة استطاعت الحكومة بسياسة عقلانية حكيمة ورصينة وهادئة ودون ضجيج أن تبني البلاد: شوارع وبنايات شاهقة ومدن حديثة، مستوصفات ومستشفيات ومدارس وملاعب رياضية ومجمعات تجارية حديثة وفنادق وبنوك وخدمات كهرباء وماء متطورة ثم دخلت مجال الصناعات البتروكيماوية وغمر أهلها الخير العميم بعد صراع طويل مرير مع البحر والصحراء·

في هذه المرحلة من الرخاء بدأت تتدفق أعداد كبيرة من العراقيين للعمل وأغلبهم كان يدخل الكويت بلاد العرب والخير والأمان فيعملون ويكسبون ثم يعودون إلى العراق·· يحملون مبالغ كانوا يحلمون بها وهم في غالبيتهم العظمى من الأرياف وأطراف المدن الفقيرة وبخاصة الجنوبية منها وعندما يعودون يُستقبلون من الأهالي بترحاب كبير فيوزعون الهدايا "الصوغات" جمع "صوغة" وتقام لهم الولائم والاحتفالات وكانوا ما إن يدخلوا مناطقهم حتى تهزج أمهاتهم الهوسة المعروفة والتي ما أزال أتذكرها وهي: "فدوه رحت للكويت، خلاّلي چنة بالبيت" ومعناها: أروح فداء للكويت لأنها وبفضلها أصبح لابني في البيت "كنّه" أي زوجة·

وتمكن العاملون أيضا من بناء البيوت وشراء السيارات وحيازة الأراضي وشراء البساتين وفتح الفنادق والمحال التجارية وشراء الأغنام والكساء الجيد والمأكل الطيب وغير ذلك والذي لولا الكويت لما استطاع هؤلاء المواطنون البسطاء تحقيقه·

وأتذكر جيدا أنه ما أن يحط العراقيون القادمون من الكويت رحالهم في قراهم وأطراف مدنهم حتى يتجمع الأهالي مرحبين بمقدمهم سائلين عن إخوان لهم آثروا البقاء في الكويت لمواصلة العمل وخصوصا من الذين عينوا في شركة النفط K.O.C أو الذين انخرطوا في سلك الأمن العام فتزغرد النسوة وتختلط الأحاديث وتتعالى الأصوات ويبدأ نحر الخرفان وتقول امرأة لأخرى "هاداده تصوّغتي"؟ و"داده" تتخاطب بها النسوة وهي كلمة تعني الود والأخوة· أما "تصوّغتي" فتعني هل حصلت على صوغة وعندما تكون الإجابة بنعم تقول لها إذن خلي أشوفها، وأغلب النساء والأطفال لا يستعملون "صوغاتهم" بل يخبئونها إلى مناسبات الأعياد وحينها "يكشخون بها أي يتزينون"

وعندما يعودون ثانية إلى الكويت يجلبون معم "الصوغات" إلى إخوانهم الكويتيين مثل عبي الهربد ومسابح الكهرب والعقيق والسندلوس وقطع من قماش عاصم فليح الشهير وقمر الدين وفريسكو وأحذية الـ "كاهيچي" والأقمشة النسائية مثل الململ والشالصطون وطفيّ الصنوه و···· والبرلون والهاشمي فيستقبلون أحسن استقبال ثم يوزعون مكاتيب "رسائل" ووصايا وطلبات الأهل والأصدقاء وأخبار الولادات والزيجات والوفيات والمعارك التي تحدث بين العشائر وغير ذلك من شؤون كثيرة ثم يزاولون أعمالهم وهكذا كان الطلب على العمل يفوق العرض وذلك للخطة التحديثية الانفجارية التي حدثت في الكويت بعد تصدير النفط فلا مشاكل ولا قيود والسجايا الطيبة التي جبل عليها الناس لاتزال فطرية بيضاء، حية ونقية كالصدق والأمانة والوفاء والإخلاص وتجنب المعاصي والمفاسد والجميع يخاف الله تبارك وتعالى ويسعى إلى رزقه بهمة  ونشاط ويتمتع بالخيرات التي أنعم الله بها على أهل دولة الكويت بعد طول عناء وشقاء وأسفار خطيرة في عرض البحر ومواجهة قسوة الصحراء وسمومها اللاهبة ورمالها المتوقدة والبحث عن الماء والكلأ، رحّل لا يستقر لهم قرار، أما الآن فقد خرج الجميع من قيعان البحار وأهوال ومفازات الصحارى والبوادي واستقروا، هم الروّاد الذين عانوا وتحملوا أعباء الصراع القاسي من أجل البقاء ليغترفوا الآن ما شاء لهم وليشيدوا بلدا على أحدث طراز حيث بدأت الحياة الجديدة تدب في الأوصال ففتحوا ديرتهم للجميع أرض سلام وملاذ آمن لكل من شكوا الفقر والاضطهاد·

في هذه الأثناء ازداد تدفق العراقيين سواء عبر المنافذ الحكومية أو عبر الصحراء وعابروها يسمون بالـ "كعيبر" ولا أحد يعترضهم أو يعيق تواجدهم أو يسعى لقطع أرزاقهم·

 

صدمة الغزو

اعملوا واكسبوا ماشئتم فأهلا ومرحبا بكم في الحل والترحال، هكذا بدأت دولة الكويت بمثل هذه الروحية، روح التسامح والحكمة والرحمة والسخاء وفي هذه المرحلة، مرحلة الرخاء والود والتآخي والثقة المتبادلة والتي ترسخت وتعززت بين الشعبين لم يدر في خلد أحد من العراقيين والكويتيين أن يتسلم الحكم في العراق رئيس عصابة دموية ثم يغزو الكويت ويحتلها ويشرد ويعذب ويقتل ويأسر أهلها، ويصادر أموالها وممتلكاتها وأرشيفها الوطني ويعيث بها فسادا ثم يأتي على مصدر رزقها الذي كان عنوان نهضتها والذي هو مصدر رزق وسعادة الآلاف المؤلفة من العراقيين وغيرهم من كل أجناس الأرض، وتأتي تلك العصابة لتحرق النفط مورد تلك الأرزاق·

لقد كان وقع هذه الصدمة كبيرا على أجدادنا وآبائنا العراقيين الذين عملوا هنا في الكويت، كانت صدمة هائلة لأولئك الرواد أن يغزو الكويت ناس عراقيون ولكن بالجنسية فقط، أما جوهر وحقيقة وأصالة العراقيين وغيرتهم ونجدتهم للملهوف وإغاثتهم للمستغيث وأريحيتهم وحضارتهم ووفائهم فإنهم بريئون من تلك العصابة·

الآن سقط نظام صدام إلى غير رجعة وعلينا جميعا العمل الحثيث على استكمال إعادة العلاقات الأخوية بين بلدينا على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنافع والمصالح المتبادلة والمتكافئة واحترام القرارات الدولية ذات الصلة مع تقديرنا العالي للموقف التاريخي الذي اتخذته دولة الكويت أميرا وحكومة وشعبا في حرب إسقاط صدام وتحريرنا من نظامه الدموي ومازال موقفها الرائع مستمرا في مساعدتنا ودعمنا بجميع الأشكال والمضامين·

 

اللامعارضة·· مرة أخرى

أثار مقالنا "ظاهرة اللامعارضة في الخطاب الإعلامي العراقي" "الطليعة 1 نوفمبر 2003" ردّات فعل بعضها مؤيد وآخر متحفظ وثالث معارض وقد سردت لجميع تلك "الردات" لأنها دليل على نجاح المقال إذ إنه استطاع أن يلتقط ظاهرة جديدة على الإعلام العراقي والثقافة العراقية لم تكن موجودة منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية 9 نيسان "أبريل" 2003 يوم سقوط نظام صدام حسين الدموي حيث كان الإعلام العراقي قد نشأ إعلاما معارضا وأصبحت له مدرسة وتقاليد وأطر وأعراف وأدوات وتراكم هائل من الخبرات والمهارات والكفاءات والأبطال وتخرج من تلك المدرسة آلاف الكتاب والإعلاميين الذين واجهوا الموت وتحدوا المخاطر وصمدوا وتعرضوا للقتل والاختطاف والسجون والمعتقلات والبطالة والمنافي والمطاردات وغيرها الكثير من أساليب التعذيب والقمع والإرهاب·

ولكن بعد التاسع من أبريل "نيسان" 2003 حصل حدث لا نظير له في تاريخ العراق إذ سقط آخر نظام وانهارت الدولة بكامل مؤسساتها، فهذا الحدث ليس انقلابا عسكريا تقليديا كالانقلابات التي شهدها العراق طيلة تاريخه حينما يتم الاستيلاء على السلطة، لكن مؤسسات الدولة تبقى كما هي ماعدا بعض التغييرات والتطهيرات الشكلية الفوقية أما الآن فقد تم إلغاء وحل كل شيء والبدء ببناء الدولة من نقطة الصفر وفجأة وجد المعارضون أنفسهم لا معارضين والفلسفة التي نشأوا عليها جيلا بعد جيل وجدوا أنها الآن بلا أسباب ومبررات وأصبحوا يكابدون فراغا لم يعتادوه ولا يمكن التكيف معه لأنهم أفنوا أعمارهم في العمل المعارض بمثابرة وإخلاص وعناد والآن لم يجدوا أحدا يعارضونه في ظل هذا الفراغ وذلك الانهيار وهذا التأسيس الجديد الذي بدأ وسط مخاضات وصراعات ومخاطر وتدخلات والجميع يريد أن يكون له دور ما في العراق سياسي أو اقتصادي أو أمني أو فكري·

إذن فمن يعارض من؟!

ورأى البعض أنني بهذا ألغي وجود المعارضة وقال بأنه حتى الدول المتقدمة فيها معارضة، بينما كنت أقصد في مقالي أن العراقيين المعارضين الذين بلغوا بمعارضتهم لنظام صدام أرقى أساليب المعارضة وأعلاها وهو الكفاح المسلح لكنهم الآن أمام واقع جديد سقط فيه نظام صدام وانهارت الدولة وبدأ تأسيسها من جديد ولذلك فإنهم  وبالضرورة وبشكل تلقائي تحولوا إلى لا معارضين وخطابهم يجب أن يتغير جذريا من خطاب يدعوا إلى إسقاط نظام كان قائما الى خطاب يساهم في إعادة التنمية والبناء والإعمار أي من خطاب هادم إلى خطاب بانٍ يؤيد الإيجابيات ويسعى إلى تطويرها ويضع بيد أصحاب القرار مشاريع وخططا واقتراحات وبرامج وينتقد السلبيات ويدعو إلى تجاوزها وتصحيحها وكل ذلك بأساليب سلمية تعتمد الحوار والجدل، وحتى يتكيف الكتاب ويمتلكون أدوات ومهارات هذه المهمة التأسيسية الجديدة فإن ذلك يحتاج إلى وقت لأن المهارات تكتسب من خلال العمل ودوران عجلة الحياة وليس من خلال التنظير والتأمل والانتظار· الانغمار في أتون العمل وصخب الحياة ومواكبة جريانها الصاخب العنيف هو فقط ما يمنح أولئك الكتاب القدرة على فهم الواقع الجديد وتجلياته واكتشاف أدق تفاصيله وأسراره وجوهر عملية التفاعل العميقة التي تجري في تضاعيفه وأنساقه وسياقاته·

 

شكرا لرئيس الهلال الأحمر الكويتي

الموقف الشجاع والإنساني الذي عبر عنه الأستاذ برجس حمود البرجس رئىس جمعية الهلال الأحمر الكويتي في المؤتمر الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر كان له أطيب الأثر لدى شعبنا العراقي وهو امتداد لمواقف سابقة حينما صرح الرئيس في عهد المجرم صدام بأن الجمعية على استعداد لإيصال وتوزيع مساعداتها في داخل العراق لكن نظام صدام رفض ذلك، وتصريحه الأخير بأننا سوف نستمر في اقتسام رغيف خبزنا مع العراقيين، كل ذلك وغيره يعبر وبصدق وبالأفعال لا بالأقوال عن الشعور العالي بالمسؤولية إزاء شعب سحقه نظام صدام أكثر من 35 عاما ودمر بلاده وأهدر ثرواته على الحروب والغزوات وشراء الذمم والمؤامرات مواقف لا ولن تنسى وستبقى حيّة نابضة في ذاكرة ووجدان وضمائر وقلوب العراقيين جيلا بعد جيل·

�����
   
�������   ������ �����
الذكرى 94 لصدور "برنكيبيا ماتيمانيكا"
برتقالة الدكتور مصطفى جواد!
الانتخابات العراقية·· مفتاح العملية الدستورية
أول بيان يرسي قواعد جديدة وثابتة بين البلدين
قراءة عراقية في البيان الكويتي العراقي
بمناسبة ذكرى الغزو الغاشم
قراءة في وثائق الدبلوماسية الكويتية
الفضائية الكويتية صوت العراقيين الذين لا صوت لهم
الفضائيات العراقية تكسر احتكار الفضاء
محاكمة صدام حسين والقضاء المستعجل
وثيقة تنشر للمرة الأولى
صدام حسين أمام محكمة الشعب عام 1959
نساء العراق بريئات من صدام حسين
دفاعنا عن الكويت يعني دفاعنا عن الحقيقة
نداء عاجل
فشلت المؤامرة وانتصر العراق
الوحدة وتسليم السلطة في العراق
أضواء على التعداد العام في العراق
خطوة كويتية جديدة باتجاه العراق
انتصار الرياضة العراقية
المواطنية والوطنية والولاء
أضواء على مهمة الأخضر الإبراهيمي في بغداد
أطروحتان لمساعدة الشعب العراقي
الاستثمار الكويتي في العراق
حدث تاريخي بارز في الحياة السياسية الكويتية
الذكرى الرابعة لندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية
قراءة من منطلق رؤية فيزيائية فلسفية
كيف وإلى أين يسير الوضع في العراق؟
  Next Page

السيد مقتدى الصدر:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإرهاب في السعودية!!:
سعاد المعجل
أعطوا مجلس الحكم العراقي فرصته:
يحيى الربيعان
أنـــا كذاب:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
الحريات الصحافية في دبي
لماذا غابت عن " جوائز الحرية " ؟:
ناصر يوسف العبدلي
الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة!:
عامر ذياب التميمي
أخبار مقلقة من السعودية:
د. محمد حسين اليوسفي
الديموقراطية في العراق: أعطوهم بعض الوقت:
خالد عايد الجنفاوي
الالتفاف على الديمقراطية في الكويت:
علي محمد البداح
الموقف!!:
عبدالله عيسى الموسوي
العلاقات العراقية - الكويتية:
حميد المالكي
التيار السلفي الجهادي:
صلاح الفضلي
بازار الاغتيالات في العراق!:
بدر عبدالمـلـك*