الملاحظة المحورية التي يمكننا اعتبارها مركز الرحى في قانون إدارة العراق الموقت "أي الدستور الموقت للعراق"، هي أن هذا الدستور - الذي صدر تحت ظل الدبابات الأمريكية التي تجوب الشوارع العراقية كيفما تجوب الدبابات الإسرائيلية الشوارع الفلسطينية الآن - قد تضمن لغما شديد القدرة على تدمير مستقبل العراق، يتمثل في الفقرة "ج" من مادته الحادية والستين التي تنص على ما يلي: "يكون الاستفتاء العام ناجحا، ومسودة الدستور مصادقا عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر"·
أي أن الأمريكيين يشترطون أن لا يعترض على الدستور الدائم للعراق ثلثا الناخبين أو أكثر في ثلاث محافظات عراقية أو أكثر، مما يعني عمليا إتاحة الفرصة للأقلية الكردية بالذات أن تفرض رؤاها، ولا نقول إن الدستور اكتفى بحفظ حقوقهم الثقافية واللغوية المشروعة فقط، ولكنه يحاول إعطاءهم حق النقض "الفيتو" على أكثرية مواطني العراق من العرب الشيعة والسنة معا، مما يعد أمرا غير موجود في أي ديمقراطية غربية أو شرقية في هذا العالم لأن المعروف هو أن الديمقراطية الصحيحة لها وجهان أساسيان، أولهما هو أن تكون الإدارة للأغلبية، وثانيهما هو أن تكون للأقليات حقوقها وحرياتها التعبيرية والثقافية التي تعتقد بها هي، حتى إذا اختلفت عن رأي الأغلبية ورؤيتها، وهذان المحوران هما اللذان تدور عليهما فلسفة الديمقراطيات التي نعرفها في هذا العالم، بما فيها الديمقراطية الأمريكية ذاتها ولذلك لا يطلب عاقل من الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحكم الأقلية السوداء في قرار الأغلبية هناك، إلا إذا كانت "باء" أغلبية الأمريكيين تجر، و"باء" أغلبية العراقيين لا تجر!!
أما المادة الثانية والستون من الدستور ذاته، فتنص علي ما يلي: "يظل هذا القانون نافذا الى حين صدور الدستور الدائم وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بموجبه"·· ونتمنى ألا يكون مقصودا منها الإبقاء على وضعية اللادستور الى يوم القيامة!!
أما الفقرة الراقية التي جاءت في هذا القانون الموقت، فهي متضمنة في آخر فقرات ديباجته، حيث إن نصها هو: "فقد أقر هذا القانون لإدارة شؤون العراق خلال المرحلة الانتقالية الى حين قيام حكومة منتخبة تعمل في ظل دستور شرعي دائم سعيا لتحقيق ديمقراطية كاملة"، لأن هذه الفقرة التي تنص على دستور "شرعي" تعني أن الدستور الموقت ذاته "غير شرعي"!! كما أن نصها على "ديمقراطية كاملة"، تعد أيضا مسألة تستحق الالتفات القانوني·· والسياسي!!
drjr@taleea.com |