الاقتصاد والسياسة شقان لا يفترقان أبدا·· فالاقتصاد يؤثر في السياسة ويحدد أولوياتها وبرامجها.. والسياسة هي الأخرى تحرك الاقتصاد طلوعا ونزولا، ولكن يبقى للنفط كسلعة اقتصادية الدور الأبرز في ما شهده ويشهده العالم من حروب وصراعات سياسية سادت وجه الأرض في العقود الماضية، وستسود لعقود كثيرة مقبلة.
لذا فإن اللافتات التي كثيرا ما يرفعها معارضو الحروب والرافضة لبذل الدم في سبيل النفط، هي بكل تأكيد مصيبة فيما تنادي به من معارضة· فالنفط ومنذ اكتشافه كان ولا يزال المحرك الأول لكل الحروب والصراعات ومن خلال النفط فقط يستطيع العالم أن يفسر قرارات ودوافع أهل السياسة بدءا بالرئيس الأمريكي بوش، ومرورا بقرارات الحلفاء مثل روسيا وفرنسا، وانتهاء بدوافع (الأعداء) مثل صدام حسين وحزبه، لذلك فإن نيلسون مانديلا مثلا لم يجافِ الواقع حين قال معلقا على الحرب الأخيرة في العراق: "إن المحرك الأول للحرب على العراق يعود الى رغبة الرئيس الأمريكي لإرضاء صناع السلاح والنفط في الولايات المتحدة·
في دراسة نشرتها مؤسسة الدراسات السياسية (IPS) في العام الماضي، يستعرض الناشر جملة من الأسباب الرئيسية التي تعطى للنفط دورا أساسيا في كل الصراعات القائمة والمقبلة، والدراسة لا تتهم أحدا ولا تبرر لأحد، وإنما تستعرض وبموضوعية العلاقة المباشرة بين النفط، وبين كل القرارات السياسية الأمريكية، سواء كانت قرارات حربية أم لا، ومن ضمن ما ورد في الدراسة ما يلي:
أولا: إن النفط ولسنوات طويلة مقبلة هو المشروع الحيوي للولايات المتحدة، ولأوروبا واليابان في منطقة الخليج، بينما تأتي العوامل الأخرى كمحاربة الإرهاب، والسيطرة على أسلحة الدمار الشامل كعوامل غير مبررة للحرب·
ثانيا: إن أكثر ما يخشاه واضعو الاستراتيجيات الأمريكية وأكثر السيناريوهات رعبا هو احتمال توقف الإنتاج في المملكة العربية السعودية التي تحوي %25 من احتياطي النفط العالمي·
ثالثا: يملك العراق أكبر احتياطي للنفط بعد السعودية بالإضافة الى أن الجيولوجيين يعتقدون بأن هنالك كميات نفط هائلة في جنوب العراق لم يتم اكتشافها بعد·
رابعا: تعتبر الولايات المتحدة أكثر المستفيدين من تغيير النظام في العراق، خصوصا في ظل تعهدات العراق بالتعاون اقتصاديا مع الدول التي ساعدته على إسقاط نظام صدام حسين، في إشارة واضحة الى فوز الولايات المتحدة بالحصة الأكبر من استثمار الحقول العراقية·
خامسا: تستهلك الولايات المتحدة ربع إنتاج النفط العالمي، وبحسب إدارة الرئيس بوش فإن من المتوقع أن تصل واردات النفط في العام 2020 الى ثلثي ما تستهلكه الولايات المتحدة من نفط·
سادسا: إن تحقيق الأمن الفعلي لا يكون إلا بتقليص الحاجة للنفط·
ثم تستعرض الدراسة أرقاما وإحصاءات تؤكد ما أوردته من نقاط، ليبقى السؤال الذي نطرحه نحن الدول الحاضنة لتلك الحقول النفطية: هل جاء النفط ليكون نقمة أم نعمة علينا؟
لقد أصبح النفط أشبه بالمغناطيس الجاذب للحروب والصراعات حتى أن البنك الدولي أفرد دراسة تقول بأن الدول التي تعتمد أساسا على تصدير النفط تكون معرضة لحروب أهلية بصورة قد تصل الى أربعين ضعفا عن غيرها من الدول، كما أن النفط يبطئ التحول الديمقراطي لأنه يُمكن الحكومات من تعزيز أجهزتها الأمنية، وتقريب النخب الثرية التي تحمي مصالحها بالعنف والاستبداد الاقتصادي·
إذا يبقى للنفط دوره الأساسي في كل ما مرت به منطقتنا من أحداث، وطالما بقي النفط متدفقا، فإن سياسات المنطقة تبقى متحركة باتجاه تدفقه، فهو إذا ليس بنعمة ولا بنقمة، وإنما فرصة تاريخية تنحني لمن يحسن استخدامها!!
suad.m@taleea.com |