تريليون دولار أي بمعدل ثلاثة مليارات كانت تدفع يوميا كرشاوى حسب تقديرات البنك الدولي للإنشاء والتعمير إبان العام 2003 من ضمنها أربعمئة مليار دولار لقاء الحصول على عقود حكومية· ويضيف تقرير الفساد العالمي لعام 2005 الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية ونشر أوائل أبريل الماضي متضمنا هذه الأرقام "لكم أن تتصوروا الآثار السلبية التي تتركها هذه الرشاوى التي تستولي عليها قلة من البشر على حساب غالبية المواطنين"·
ويقول التقرير إن المسوحات المتكررة قد أثبتت أن حجم الفساد في مجال الإنشاءات هو أكبر مما هي عليه الحال في باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى· بالنظر الى حجمه وتنوعه، حيث إن قطاع الإنشاءات واسع الامتداد، يشمل أعمال البنى التحتية للمواصلات، بناء محطات توليد الطاقة، بناء المساكن··· إلخ· إذ إن ثمة بعض الخصائص في قطاع الإنشاءات تجعله أكثر عرضة لممارسات الفساد مثل: المنافسة الضارية للحصول على العقود، وحاجة المشروع للموافقات والمصادقات عبر مستويات رسمية كثيرة، وكون بعض المشاريع فريدة من نوعها مما يجعل عملية مقارنة الأسعار أكثر صعوبة، وزيادة إمكان التأخيرات والتجاوزات، وعادة ما يتم تنفيذ المشاريع من خلال العشرات بل المئات أحيانا من العقود الفرعية التي تقوم بالكثير من الإجراءات المربكة مما يجعل عملية المراقبة عليها في غاية الصعوبة·
ولم تكتف المنظمة الدولية بفضح الداء وإنما اجتهدت في وصف الدواء عندما وضعت حدا أدنى من المواصفات الواجب توافرها في العقود العامة من أهم ما تقترحه فيها تحري حصول تضارب في المصالح وتوفير آليات للتبليغ عن الفساد وحماية الأشخاص الذين يبلغون عنه، والتسهيل على الشركات المتنافسة وحتى الجمهور إن أمكن للحصول على معلومات عن جميع مراحل العقد، والتأكد من أن أوامر التغيير التي قد تؤثر في السعر أو الوصف المتفق عليه في العقد قد تمت بعلم وإشراف أعلى المستويات، والتأكد من أن الرقابتين الخارجية والداخلية وشركات التدقيق كلها مستقلة ونزيهة وفاعلة وإن تقاريرهم في متناول العامة، وأن حدوث أي تأخير غير مبرر في تنفيذ المشروع يتطلب إجراء مراقبة إضافية، وطلب مشاركة منظمات المجتمع المدني لكي تلعب دور المراقب المحايد على طرفي العقد·
وعودة الى الكويت فإن ثمة أرقاما نشرها تقرير البنك الوطني مؤخرا استنادا الى مصادر حكومية تناول فيها الميزانية العامة إذ لاحظ ارتفاع المصروفات على المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة بنسبة ثمان وثلاثين في المئة لتبلغ نحول ثلاثمئة وعشرين مليون دينار الى ما قبل شهر واحد من انتهاء السنة المالية الماضية مما يستدعي اليقظة·
والآن وبعد مضي أكثر من شهر على نشر تقرير منظمة الشفافية الدولية ونظرة الى واقعنا الذي عرضنا للمحة واحدة منه ألا يحق لنا أن نتساءل عن مساعي الجهات المعنية للاستفادة من هذا الجهد الدولي، نعني جهاز خدمة المواطنين الذي يقود حسب المعلن جهود مكافحة الفساد ووحدات الرقابة داخل المؤسسات الحكومية وبخاصة وزارة المالية وماذا عن ديوان المحاسبة واللجان البرلمانية المعنية بحماية الأموال العامة وتطوير القوانين المالية مثل المناقصات والمبادرات ونظم البناء والتملك والتحويل· ولا يزال الأمل معقودا على مؤسسات المجتمع المدني في أن تقود حوارا مفتوحا في هذا الميدان الذي بات يؤرق جميع الغيورين على مصالح الوطن·
a2monem@hotmail.com |