اكتشف "شاه" بنظرة ثاقبة جال فيها بين الموظفين والمراجعين أنه يجلس فوق كنز من المال مقارنة بالراتب الذي يتقاضاه من شركة النظافة التي يعمل بها والذي يضطر في معظم الأحيان إلى الانتظار بضعة أشهر سوداء ثقيلة لتقاضيه·
فالموظفون يحتاجونه في إنجاز مطالبهم البسيطة مثل شراء الصحف أو غسل السيارة أو جلب الإفطار وصولا إلى المطالب الجسيمة بأن يحل محلهم في الدوام متعللا عند السؤال عن الموظف بأن المدير قد طلبه أو في المصلى وما إلى ذلك من حجج لا تعوزه الحيلة في ابتكارها معتمدا على الهاتف المحمول في استدعاء الموظف عند الضرورة القصوى·
والمراجعون يحتاجونه في تسريع معاملاتهم أو "تسليكها" من خلال علاقات أنشأها مع الموظفين من واقع احتياجهم له أو بالتواطؤ معهم في اقتسام "المعلوم" أو بالحلول محلهم في الدوام وتمتد خدمات "شاه" إلى أكثر من ذلك بتأجير مواقف سيارات الموظفين المظللة إلى المراجعين·
فقط موضوع واحد بات يشكل مصدر قلق شاه، صرح به لمحرر "القبس" الذي قام بإنجاز هذا التحقيق الشيق في دهاليز وزارة الصحة، وهو ظهور منافسين له وهم عاملات النظافة اللواتي تفضل الموظفات والمراجعات أيضا التعامل معهن ممن اكتسبن خبراته نفسها وكذلك حراس الأمن الذين باتوا يشكلون بديلا مفضلا للزبائن لإجادتهم اللغة العربية، إلا أنه استدرك قائلا بأنه قد بدأ تعلم العربية لمواجهة هذه المنافسة الشرسة، وبقيت مشكلة الجنس ولم يوضح محررنا كيف سيتصرف المسكين بها·
وظاهرة العمالة الدنيا التي تتسرب إلى الأجهزة الحكومية خارج باب الرواتب من خلال عقود الخدمات لتحل محل المواطن في إنجاز عمله أو استغلال ثغرات الأنظمة في تسليك معاملات المراجعين أو توظيف موارد الوزارة لصالحهم إنما تستدعي التوقف عندها من قبل الكثير من الجهات التي تطالها في أبعادها المختلفة·
فجهاز خدمة المواطن وديوان الخدمة المدنية الذي ما فتىء يبشرنا بقرب القضاء على الفساد الإداري من خلال النظم الآلية المتكاملة والحكومة الإلكترونية بحاجة إلى دراسة مدى اتساع هذه الظاهرة وكيفية التعامل معها، فشاه لن يعجزه في مقابل ما يحصل عليه أن يلتحق بدورة في استخدام الحاسب ليقوم عن الموظف بأداء مهامه·
وأجهزة الرقابة بحاجة إلى دراسة أثر تدني رواتب أصحاب المهن البسيطة والضغوط المعيشية التي يتعرض لها مما يلجئهم إلى هذه المسالك·
ومجلس الأمة بحاجة إلى إثارة النقاش حول هذا الموضوع بالتركيز على وزارات الخدمات لإيجاد الحلول لهذه الظاهرة المستفزة·
ومن الواضح أن جهات عديدة في الدولة معنية بالتصدي لهذا الأمر الذي يفتح أبوابا للفساد الإداري سوف لن يغلقها التجاهل·
a2monem@hotmail.com |