يقول المثل الشائع: "إذا تكلم المال سكت الجميع"، وثمة مثل آخر يقول من لا يملك درهمين حتى عروسه لا تنظر إليه، والآية القرآنية واضحة وصريحة عن طبيعة البشر الميالة لحب المال، "وتحبون المال حبا جما"، بيد أن المال ولذته تكمن، حينما يكون مصدره نظيفا، وليس من خلال اغتصاب قوت وحلال "الغلابة" والمحتاجين· البعض لا يكترث بمسألة الادخار، فهو جُبل على صرف ما في الجيب، كي يحصد ما في الغيب! الأكثر غرابة عندما نجد هذا البعض، لا إشكال لديه في أخذ القروض غير المدروسة، والاستلاف من الكل، فقط من أجل تلبية غاياته ونزواته، والتي عادة ما تكون عكسية ومدمرة عليه وعلى الآخرين من حوله، وربما تؤدي به في نهاية المطاف إلى السجن، هناك البعض الآخر الذي يحتكم لعقله، فهو غير مستعد أن يخسر ماء وجهه أو يذل نفسه لأحد، لذا نجده ينفق إلى الحد المعقول حتى يتسنى له العيش الكريم·
المعضلة أن معظمنا أصبح مسرفاً ومن دون أن نشعر أحيانا وبات همنا وديدننا الدنيا، المحزن أنه في تعاملنا وعلاقاتنا مع الآخرين، يبقى الدينار هو المؤشر والرابط بيننا! ذات مرة سمعت من أحد الأشخاص، أنه لا يمانع أن يتحاور حول أي موضوع، وأيضا لديه الاستعداد أن يتلقى ويتحمل السباب والإهانات من أي شخص! أما مسألة الاقتراب من محفظة أمواله، فذلك من رابع المستحيلات!! هناك أناس أيضا، يودون لو يعرفون كيفية العمل في سوق غسيل الأموال وتبييضها، بالرغم من علمهم المسبق أن تلك الأموال غير مشروعة، ومصدرها دور الدعارة والمخدرات وبيع السلاح للإرهابيين!
من المؤسف حقا أن ثمة أشخاص بيننا أضحى دينهم دينارهم!! وهؤلاء لا يتحرجون بالعمل في أي مجال، والأدهى والأمر من ذلك أنه لا مانع لدى البعض من أكل حقوق الغير، والدليل على ذلك، ما حصل مع الإخوة المستضعفين من الجنسية البنغالية، عمال التنظيف، فهل يعقل أننا في بلد يملك المليارات من الدنانير ويتم فيه اضطهاد وكبح وافدين قدموا من أجل لقمة العيش؟! أقسم بالله تنفطر القلوب حينما نتأكد، أن راتب الفرد من هؤلاء لا يتجاوز الخمسة والعشرين دينارا فقط لا غير!! يعني راتب الخمسة أو الستة من هؤلاء، يعادل قيمة حذاء بعض الطغاة!
ومن الأزمات الأخرى للمال، مسألة زيادة الرواتب، والشد الحاصل بين الحكومة وأعضاء مجلس الأمة، نجد أن المسألة منافية للعقل والمنطق، كون أعضاء مجلس الأمة مصرين على زيادة الرواتب، وحتى إن أدى ذلك إلى حل مجلس الأمة، بحكم أن الحكومة منذ زمن بعيد لم تقم برفع سقف الرواتب، والمواطن بات يعاني من ارتفاع السلع وتكاليف الحياة والمعيشة، وكذلك الحكومة قد أذعنت لمطالب الإطفائيين والمهندسين والمحققين، وأيضا بعض الإدارات القانونية والصحة والمالية والتربية والجامعة والتعليم التطبيقي، بالمقابل تجد الحكومة أن تلك الزيادة والتي سوف تصل إلى 300 مليون دينارا سنويا، ستثقل كاهل ميزانية الدولة، مما يصعب على الحكومة الاستمرارية في دفع تلك الرواتب في السنوات المقبلة كونها مرتبطة بأسعار النفط، السؤال الذي يطرح نفسه: ما الضمان أن التجار وأصحاب الشركات لن يستغلوا تلك الزيادة في رفع أسعار السلع الاستهلاكية؟ بالتالي "تي تي زي ما رحتي جيتي" كان الأولى بالحكومة، أن لا تقدم على زيادة رواتب بعض الموظفين وترك الآخرين، لأن تلك الزيادة سوف توجد الضغينة والحساسية بين موظفي الدولة، حبذا لو كانت تلك الزيادة بالدرجة الأولى للمهن الطاردة والشاقة والتي لا يرغب فيها عادة أغلب الموظفين، حتى تكون نوعا من الدافع والحافز لهم، على كل حال، الحكومة هي السبب في تسابق وتلهف الناس نحو المال، فهي التي غضت الطرف عن شراء الذمم أثناء الحملات الانتخابية، وهي التي سكتت عن التجاوزات على المال العام، مما أضحى الناس ماديين أكثر من اللازم·
الأستاذ: عبداللطيف الدعيج
جزيل الشكر للأستاذ عبداللطيف الدعيج، على ملاحظته ورفضه لعبارة "إبداعات الغير" والتي ذكرتها سهوا في مقالتي "مافيا الكتابة"·
freedom@taleea.com |