من يتابع ما حدث في الكويت يدرك ماذا يحدث في السعودية، ومن يتابع ما حدث في السعودية يكتشف حقيقة ما دار وحدث في الكويت، ومن يتابع ما تكتشفه السلطات الكويتية على الحدود المشتركة بين البلدين واصطياد أشباح الموت وهم يعبرون الحدود، تارة في النهار وتارة في الليل، من أجل تمرير السلاح وتهريب البشر لتنفيذ عملياتهم الإجرامية في حق المجتمعات الخليجية الهادئة والمتطلعة للسلم الاجتماعي يدرك رأس الشيطان برؤوسه السبعة· من يقتلون الأبرياء ويفتكون بالناس كقوى ضالة لا تحمل للحياة والمجتمع المحلي والدولي إلا مشاريعها العدوانية الفاشلة بحجة، "مقاومة الكفرة" ومن يسير في ركابهم ما عادوا يمثلون الكذبة الكبرى بأنهم يمثلون الإسلام الأصيل والحقيقي! هذه اللغة القائمة على روح الكراهية لا تنتج إلا مجموعات شبابية مبلبلة الفكر ومتأججة العاطفة ومحدودة الثقافة والعلم ومحدودة الفهم للسياسة وتعقيداتها، مما يجعلها تستجيب للشحن المستمر والتعبئة المريضة إزاء الكراهية لكل ما في الحياة من تقدم وحضارة· ما فعلته المجموعة الضالة في الكويت، تعبير حقيقي عن تلك الروح السوداوية العمياء التي تكرس ثقافة العنف حتى مع أقرب الناس إلينا، وهم فلذات أكبادنا، ما فعله الأب الكويتي الذي نحر ابنته أمام إخوتها، لا يعكس إلا مشهدا متناغما بالضرورة مع لوحات سوداوية أخرى في المجتمع الكويتي ومجتمعاتنا الخليجية، كهذا الذي أنتجته الفئة الضالة من كراهية بمنطقة "مبارك الكبير" ومنطقتي حولي وأم الهيمان، ما فعله سدنة المعبد المنهار واليأس، أنهم انتقلوا إلى منطقة البلاجات في ضاحية السالمية، وعكروا صفو وهدوء وراحة الناس في العمار والجوار والجيران والأمن، اخترقوا الشقق بأسلحتهم وقتلوا رجالا تنتظرهم عائلاتهم لقضاء إجازات عطلة نهاية الأسبوع، والنوم الهادىء، خطفوا أرواح الشباب الواعد للوطن، ومزقوا قلوب الزوجات والأمهات والأخوات والآباء والأهل، أثاروا غضب المجتمع والقبيلة والعشيرة والطيور والسماء كونهم لطخوا سمعة أهلهم ووطنهم مثلما لطخوا الجدران بالدماء البريئة· هؤلاء ليسوا إلا الكهان والمشعوذين الجدد والمرجفين في الأرض والمدينة، لكونهم مصابين بإحباط عميق، من هربوا وتركوا خلفهم المسجد بلا إمام، يدركون أن بيوت الله ليست ملاجىء للغلاة، كما يدركون أن العباءة النسوية والنقاب ليس لباسا يختفي خلفه رجال يدعون الرجولة والفحولة، ولكن كما يقال الغاية تبرر الوسيلة ولا توجد وسيلة إلا معانقة الشيطان، تلك الثقافة العنيفة وغسل الأدمغة للشباب ما عادت وحدها المثيرة، وإنما ما يثير الاستغراب جدا لدى علماء المجتمع والطب النفسي حكاية الأب الذي نحر ابنته لمجرد أن ثعابين الشك تفتك في صدره، ثعابين الضغينة لم يستطع بيت الله الحرام انتزاعها من قلبه لأنه اضلّ سبيله، كنت أسأل نفسي ما الذي كان يفعله ذلك الأب القادم من الحج وهو واقف بين يدي الله يتضرع في أقدس بقعة؟ لماذا لم يغتسل قلبه بالإيمان وهو في ملكوت قريب ومجاور لبيت الله الحرام؟! ما الذي كان يقوله في قلبه هناك عن ابنته؟ هل كان يطلب المغفرة من الذنب القادم والمبيّت ومع سبق الإصرار والترصد؟ لماذا نذهب للحج بقلوب لم تغتسل بعد من الدنس الإنساني؟ وإذا ما ذهبنا هناك أليس من الواجب والمفترض أن نغتسل ونتطهر من الخطايا ونطلب الغفران ونؤمن بالتسامح ونتخلص من كل أشكال الضغائن والرزايا والكراهية والخبث والشرور التي بداخلنا؟· لم تستطع الملائكة الطيبة أن تهزم الشيطان في داخل ذلك الأب المهووس بالشك والريبة، التي ترقى إلى مستوى المرض والسيكوباتية·
لقد اهتزت الكويت بعرضها وطولها لحادث الأب لنحره ابنته أكثر من اهتزاز الكويت لمجموعات ضالة تقاتل مع الشيطان ومن أجل الشيطان وطنها وشعبها وناسها وحكومتها، التي شرعت أبوابها للديمقراطية والتعبير الحر تحت قبة مجلس الأمة، لماذا يلتقي عنف الأب الذي وأد ابنته بالسكين مرتين ونحرها مرتين مع ثقافة المجموعات الإرهابية في الكويت؟ المسألة لا تحتاج إلى تشخيص صعب ولا إلى مهارة سياسية يجيدها المبررون لتلك الأفعال بحياء كبعض المجموعات الإسلامية، التي حاصرتها الأحداث ووضعتها في زاوية ضيقة من الاتهام والجرم المشهود فسارعت للتنصل مما حدث، محاولة نكران أن العنف وثقافة العنف السائدة في الكويت ومجمل المنطقة، ما هو إلا نتاج موضوعي لثقافة التزمت والتشدد والإقصاء والزهو بوهم انتصارات عابرة جنوا ثمارها في الماضي لرخوة الأنظمة "الطيبة!!" كثيرا معهم، لقد كان المسجد عباءة للتستر، وكانت الجمعيات الخيرية رداء الكاهن الأسود نحو الإنسانية، وكانت الصناديق الخيرية بئر نفط خارج الضريبة والمراقبة!!
ما فعله الأب بابنته لن يكون الأخير، كما أن الجماعات الإرهابية لن تكون مجموعات عابرة بأعدادها القليلة، ما اكتشفته السلطات الأمنية من حجم للسلاح شهادة واضحة وكفيلة لتعكس حجم النيات المبيتة وللنهج الذي تنزع إلى ممارسته في التدمير، يبدأ فعل الطغاة الجدد أولا بتدمير الآخر وينتهي بتدمير الذات· هكذا وجد الأب نفسه نادما بعد انتزاع روح الطفلة البرىئة، التي توهم أنها ليست عذراء، ويا له من مبرر لا أخلاقي، حيث نجيز لأنفسنا في دولة القانون ممارسة قوانيننا الهمجية، ترى حتى لو حدث أنها ليست عذراء - والكشف الطبي أثبت عكس توهم الأب - فقد يكون غرر بالطفلة أو الصبية المراهقة رجل بلا ضمير، أليس من الواجب مراعاة تلك الصبية المتألمة من معاناتها الداخلية وتمزقها بسبب انتهاك عرضها وسلبها في هذا العمر أجمل وأعظم ما تملك، حتى قوانين الغرب "الكافر" تعاقب على تلك الانتهاكات الجنسية لفتاة لم تصل سنها القانونية، بل يرفض المجتمع والقانون الاغتصاب مع كل الأعمار لكونها سلوكيات عدوانية وتعديا على حقوق الإنسان المدنية، تعديا على كرامته كإنسان، ولكن ما الذي بالإمكان قوله لقلب وضمير قد مات كما هو قلب ذلك الأب؟ وما الذي بالإمكان فعله لثقافة العنف والدموية لرجال يرتدون النقاب من أجل التدمير والقتل؟ ما لم تكشفه السلطات سيكون أكثر فظاعة مع مرور الأيام، خاصة بعد صدور قانون مجلس الأمة الكويتي، الذي يمنح الأمن صلاحيات أوسع للبحث والتفتيش عن السلاح المخزون بهدف، وإذا ما جمعنا خيوط وفسيفساء اللوحة بكل ألوانها سنكتشف أن بيض الثعابين مازال في الأوكار الخفية، وما ظهر منها أكثر مما بطن، الغلاة يتكررون في التاريخ دائما، حملة الخناجر والسكاكين كانوا أحفاد الحشاشين أبدا، فما تبدل اليوم فقط هو الخطاب والأسلوب وفنون المراوغة· تكون التبرعات وأرصدة البنوك والصناديق الخيرية والاختفاء وراء النصوص المقدسة خير تعبير، كما يختفون خلف "البرقع والنقاب والعباءة" عند الضرورات ، ويالها من ضرورات فاسقة تحل المحرمات بما فيها قتل الأبرياء بأي ثمن!! هكذا ينبعث الجاهليون الجدد في عصر الإنترنت لكي يذبحوا فلذات الأكباد التي ما عادت فلذات منا بعد أن فقدنا روحنا الأبوية!!
ü كاتب بحريني |