أعتقد أن فكرة استخدام العقيدة الدينية سلما أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية تنتهي بالقبض على السلطة وعلى أعناق الناس ليست جديدة، فقد ظهرت وشهد التاريخ العربي تطبيقها في عصور عدة، ومن هنا يستطيع كل إنسان أن يفهم المقولة الرائجة المنقولة عن أحد دهاة السياسة: "الدين باز من صاده قنص به"· والواضح أن صاحب هذه المقولة كان أحد دهاة القنص والصيد أيضا، بالإضافة الى السياسة ومقتضياتها·
الدين لم يكن للصيد والقنص بالطبع، وإنما جاء لخير الناس، والقول بأن "أحب الناس الى الله أنفعهم الى الناس" أشهر من أن يشار إليه· ولكنها المطامع ودهاء طامعين في اصطياد هذا الباز الثمين· كيف ذلك؟
الناس في بلبلة· فهم يسمعون من حولهم خطابا يزعم أصحابه أنه "خطاب الإسلام"، وأقوالا تُزج ويزعم أصحابها أنها من "لب الإسلام"، بل هي عماده الذي لا تقوم بغيره قائمة ثم يجدون هؤلاء، يأخذون في ترهيب الناس وتخويفهم، فهم إذا لم يجروا في مجراهم، فهم تارة مشركون وتارة كافرون، وأخيرا هم ممن يحل قتلهم وذبحهم! وتزداد البلبلة حين يعيد الناس النظر في أنفسهم ويجدون أنهم ليسوا كما يصف هؤلاء، بل هم الى الدين أقرب، والى هديه أكثر ميلا، فمن أين جاء كل هذا التعطش لدماء الناس مسلمين وغير مسلمين باسم "الإسلام"؟ جذور المسألة تكمن في فكر جماعات سياسية طامحة للسيطرة على مصير المجتمعات والاستبداد بأمورها "شركات وأموالا وميزانيات" ويبدأ أصحاب هذا الفكر حركتهم الأولى في إعلان الناس كافة "جاهلية" جهلاء، كما أعلن "سيد قطب" صاحب معالم في الطريق (1961)، وأصحاب هذا الفكر هم "الصفوة" المسلمة المكلفة بالقضاء على الجاهلية والجاهلين·
وتأتي النقلة الثانية بالادعاء أن هذه "الصفوة" هي المؤتمنة على "الإسلام" كما جاء في بدايته، أيام الرسول والصحابة·
وهكذا يتقمص هؤلاء أدوار الرسول والصحابة، ويلبسون الناس الآخرين كل الناس لباس الجاهليين فينظرون إليهم مثلما يعتقدون أن الصحابة الأوائل نظروا، بل وبصورة أكثر شراسة وعداء، هذه النظرة المشوهة الى الناس الذين هم مسلمون وبشر في المقام الأول، يكرسها أصحاب هذا الخطاب، ويكرسون معها عزلة نفسية للذين يغرّرون بهم، فيضعونهم في المسرح الذي اختلقوه: هنا صفوة مسلمة وهنا كثرة كافرة" ولا مجال للمساومة ولا للتفاهم· أو كما زعم بن لادن: العالم فسطاطان: فسطاط كفر وفسطاط إيمان· تقمص وتشبيه وتمثيل، هذه هي آليات هذا الفكر الذي يشبه أصحابه جماعة تستعير لباس وأسماء الرعيل الإسلامي الأول، وتتلقط كلمات دينية تخلعها من سياقها، وتزجها في خطابها، لتموه على الناس حقيقة أنها جماعة قنص·· وصيد·· لا دين ولا آخرة· وستكون لنا عودة الى التلقط·· والخلع·· ورحلات الصيد والقنص· |