رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 3 صفر 1425هـ - 24 مارس 2004
العدد 1620

إشكالية توليفة الحداثة والتخلف(3-3)
بدر عبدالمـلـك*
* ???? ??????

نسقط في وهم استلهام التجربة اليابانية بطبقتها البرجوازية الوسطى والصاعدة، وإمبراطورها (الذي فقد حق التفويض المطلق من السماء، فكيف ينهزم في الحرب من تفوضه السماء، إن لم تسحب منه ذلك الحق؟!!) وتراثها وثقافتها، الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية والشنتوية، التي انهزمت في العقود الأخيرة إزاء عصر التفاعل والتداخل بين قيم وحضارات متنافرة، بالرغم من أن العقل الياباني وثقافته هو نتاج تلاقح ثلاثي بين عقائد ثلاث هي الشنتوية والبوذية والكونفوشيوسية، فكلها كان له تأثير في مجال محدد كالفن والتعليم والعلاقة مع الطبيعة والبيئة والأخلاق والسياسة، فلا يمكن مقارنة الحضارة اليابانية الحديثة المنفتحة على التغريب في أكثر الأسس الغربية قيمة وعلاقة بثقافتنا المغلقة، فليست اليابان مجتمعا تقنيا أو حداثيا سياسيا وتقنيا وحسب، وإنما المجتمع الياباني المحافظ منذ زمن الميجي، تعدى الديمقراطية السياسية الى مجتمع غربي في علاقة نوعية بين الرجل والمرأة داخل مؤسسة صناعية رأسمالية متعددة الأحزاب والنقابات، ونمط من أنماط القيم الغربية في التقليعة والموضة (وليس ثوب كيمونو وحده أو أوبرا مدام بتر فلاي) وغيرها من السلوكيات، وهذا ما لم يستطع أو يقوى حتى رجالنا التنويريون امتلاك الشجاعة للحديث فيه، أو حتى ممارسته في نطاق مجتمعهم الضيق، فشبح الإرهاب المجتمعي دخل في نفوس الناس ونمط بيوتهم وهندستها، وليست تلك الجدران الشاهقة الشبيهة بجدران القلاع والسجون إلا تعبيرا عن الانغلاق الداخلي والتزمت والمحافظة، التي لم تعرفها البحرين طول نصف قرن من القرن المنصرم، عندما كانت بيوت السعف والطين مفتوحة أذرعها في الأحياء للصغار والكبار، أتذكر هنا حكاية النساء البحرينيات قبل ربع قرن، كيف أردن الاستحمام في ناد أجنبي في بركة مختلطة ولكن بملابسهن البحرينية فجاءتهن المسؤولة الأجنبية عن النادي قائلة لهن، مع احترامي لتقاليدكن فإن التعليمات في بركة السباحة لا تسمح بالاستحمام بهذه الطريقة، وطبعا غضبت البنات من تلك السيدة الوقحة واعتقدن أنهن على حق، فقلت لهن ضاحكا، أنتن تردن العالم على طريقتكن، مالكن وهذه الأمكنة طالما أنكن في وعيكن تنتمين لعالم آخر، طالما نحن في أمكنتهم فعلينا القبول بها وإلا لنخرج حيثما أتينا، إذ لا يوجد في كل حمامات السباحة في العالم بشر يستحمون بملابسهم الخاصة، كما تفعلن أنتن، للبركة ملابسها مثلما لكل مكان ملابسه، وطالما أننا ننتمي لثقافة أخرى فإننا سنحتاج لوقت طويل لفهم ثقافة الآخر، فالغرب دخل معركة حضارية طويلة استمرت قروناً، ولم ينتصر إلا عندما انتهت المرحلة الإقطاعية في تاريخه، بل وحملت الكنيسة وقتا طويلا حتى بعد هزيمة محاكم التفتيش قيم الإقطاع المحافظ، قياسا بقيم البرجوازية المتحررة والتنويرية، وهذا لا يمكن القفز عليه بقرارات إدارية، وإنما بإعادة تشكيل وعي المجتمع واجتثاث مكوناته القديمة، والتعليم واحد من تلك الركائز الفكرية والثقافية، وهذا ما لن يقبله بسهولة العقل المحافظ تحت ذرائع عدة، وهي واحدة من إشكاليات تلك الثنائية المتناقضة التي لم تحل نهائيا، فإن علة الأصولية أنها لا يمكن أن تقبل بالتنازل عن قناعاتها، والتي هي نفسها مسألة اجتهادية بين المذاهب والديانات المتعددة في مجتمع قائم على الأعراق والثقافات المختلطة، ومعركة التحديث والتعليم داخل المجتمع قابلة للتغيير بشرط واحد هو ديمومة الصراع ما بين الحداثة والتقليد - دون انقطاع تاريخي - في المجتمع الحر والديمقراطي المتعدد ثقافيا وسياسيا وفكريا، بحيث لا يتخيل تيار وحيد بأنه وحده من يحق له تشريع الأخلاق وتصنيفها على طريقته المختزلة في مفردات الحلال والحرام، متجاوزا - حسب هواه - النصوص والحدود، كما نراها اليوم بين تيارين في الأزهر، واحد يهاجم فرنسا في موقفها من الحجاب والآخر يردد أن ذلك القرار شأن داخلي، فإلى من ينبغي أن نحتكم؟ سؤال تحديث التعليم، مناهج وتربية وتدريس، ليست وحدها السبب الرئيسي في ولادة ظاهرة العنف والإرهاب والكراهية، فلو عدنا ولو بصورة مقتضبة على النصف الأول من القرن المنصرم لما احتجنا لمزيد من التعب، لملاحظة أن تلك الظاهرة لم تكن قائمة بهذه الصورة، بالرغم من أن حزب الإخوان المسلمين على يد حسن البنا تأسس في عام 1928 أي في الثلث الأول من القرن المنصرم، ولم يتبلور ذلك الاتجاه بتفرعاته وتفريخه إلا بعد الستينيات، حيث احتضنت أوروبا وبلدان الخليج والأردن كوادر ذلك التنظيم المعرض للعسف في بلده، فوجد قبل السبعينات ومع الطفرة النفطية الظروف والأموال والجغرافيا للانتعاش والتحرك، في ظل الثنائية القطبية وصراعاتها، وكانت أفغانستان التربة الخصبة لترحيل تيارات متشددة الى هناك، بعد أن فرزت حركات جهادية انشقاقية عنيفة، كما هي حركة جهيمان في السعودية والتكفير والهجرة والجهاد وقتلة السادات في مصر، هؤلاء لم ينتعشوا بسبب التعليم وحده، فربما التباين بين مناهج عدة تعبير حقيقي عن إفراز حجم العنف ومناطقه، غير أن الحياة المعاشة وغياب الحريات وغيرها خلقت العنف والإرهاب، ما أفرزته التيارات الأصولية من منهج وثقافة للعنف في المجتمع لم تكن نتاجاً للمناهج التعليمية وحدها على الإطلاق، فقد كانت المؤسسات الدينية والجمعيات وحلقات التثقيف التنظيمي والعام في المجتمع، بحجة التبليغ والدعوة والسيطرة على المنابر ونشر الكتيبات وتسويق الأشرطة تحت مظلة الدين لردع الفساد والفسق ونشر الإصلاح، جميعها ساهمت في غسل دماغ الجيل الشاب بفكرة الجهاد، وكانت فلسفة الإخوان في حينها هي استراتيجية السيطرة على أهم مفتاح اجتماعي وتعليمي، فكان التغلغل الى وزارات التعليم للسيطرة على الإدارات والمناهج والمعلمين هو الهدف الأسمى، والترتيب لخلق كوادر معلمين يسيطرون على الجمعيات، بحجة الابتعاد عن السياسة ومواجهة السلطة والتركيز على الدعوة الدينية البحتة معتقدين أنهم يصنعون غطاء دون رغبة الأنظمة والقوى الكبرى، خاصة بعد ملاحقتهم في مصر وسورية، فكانت سياستهم في الخليج مختلفة ومعروفة، وحاولوا الانقضاض على الإعلام، ولكنهم فشلوا نتيجة اهتمام الدولة بذلك المرفق مما صعب مهماتهم، فاكتفوا بالتعليم كحلقة أساسية، غير أن الحلقة المكملة تتوجت بالمؤسسات الأخرى والنشاط الاجتماعي والدعوي في المجتمع، في مناخ أتاح لهم كل التسهيلات والشروط، بل وكما قال وزير الإعلام الكويتي السابق الشيخ ناصر الصباح "إنهم خطفوا الكويت"، لهذا سنجد الأصوات الاحتجاجية تعلو صراخا في المناطق الأكثر تجذرا وتغلغلا، لكونهم يشعرون أنهم يخسرون ما وضعوا لبنته لأكثر من أربعة عقود من الجهد والتعب·

 معركة التعليم والتحديث، هي معركة حياة أو موت، بين الحداثة والتخلف، تحت شعار تضخيم أكذوبة الخوف على الهوية من الغزو الأجنبي، ولكننا نقول للجميع إن الإسلام عمره أكثر من خمسة عشر قرنا، لم يستطع أحد تدميره أو رغب في ذلك، وإنما جاء الوقت لكي يعرف العالم أن الإسلام كدين ليس هو الإسلام الذي يرفعه الغلاة في صبحهم ومسائهم، ليس من يضعون بيوت الله تحت سنابك خيولهم كما هو بالأمس، وتحت قنابلهم اليوم، إن فكرة وفلسفة التعليم ستتعرض الى نقاش حاد في عالم يموج بالليبرالية والثورة المعلوماتية والانفتاح فكيف يتم نسج ثقافة إنسانية متسامحة دون نشر فلسفة الكراهية بين المذاهب والأديان والأعراق، التعليم ليس جملاً وحروفاً وتقنيات تجريبية ومناهج، وإنما نظرة كاملة وفلسفة للحياة بطريقة عصرية، حياة تربي جيلا متوازنا في رؤيته وثقافته، فلا يرى في جاليليو فاسقا ولا ينظر للجيولوجيا والبيولوجيا كما ينظر لها رجل خرج لتوه من الكهوف، ما فعله الإخوة العرب الهاربين من أمصارهم في الشقيقة السعودية أمر يشيب لها الولدان، في تنظيراتهم ونفاقهم، حيث كان يشرح في التلفاز نظرية، إن مكة مركز العالم في الكرة الأرضية، وطبعا هذا كان يرضينا ويثلج صدور الإخوة في الشقيقة السعودية، وزاد الطين بلة تلك المليشيات الدعوية، التي لم تر في العصا إلا لغة للقهر والاضطهاد والعنف وتفريخ الكراهية ومفرداتها البغيضة كعبارات الجماعات الرافضة وإجبار الناس على حق مصادرة التفكير فكان التكفير مرادفا للتفكير الحر، فقد صعب على الإنسان المتعلم أن يستخدم عقله بطريقة عقلانية فتعطلت أهم وظيفة للعقل وتعطلت الأسئلة في تعليم متعثر وثروة نفطية هائلة، حتى كدنا نرى الطبيب النفسي في مناطقنا يعالج المرضى على طريقته الثقافية متناسيا ما تعلمه في الجامعات الغربية من مناهج، فالكتيبات والتعاويذ والأدعية من كتب الاتقياء التي يستخدمونها، لا تزيل من جسد المريض النفسي الوسواس القهري ولا الشيزوفرينيا أو القطبية، فلماذا يسقط الأكاديمي المتعلم في ظلامية علمه العالي؟! الميتافيزيك منهج هيمن على كبار المفكرين في أعرق الجامعات الغربية عندما كانت الكنيسة سيدة العالم وكان البابا الحاكم بأمر الله، فهل ننتظر أن يتحرر منه "المنهج الميتافزيقي" صغار المتعلمين بالتحديث العاجل؟!

ü كاتب بحريني

�����
   
�������   ������ �����
طبائع الاستبداد ومساوئ العباد!
الطاغية .. ذلك المستبدة المحاط بالمعجبين!!·
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(3)
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(2)
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(1)
إعدام الطاغية المسرح والستارة
هل تتكرر لعبة التنين؟!
ماراثون حواء أطول مما نتخيل!!
أحداث الكويت وإمارة طالبان الخفية!!
بعد وأد البنات.. نحر البنات
الجاهليون يولدون من جديد..!!
إشكالية توليفة الحداثة والتخلف(3-3)
إشكالية توليفة الحداثة والتخلف(2-3)
إشكالية توليفة الحداثة والتخلف(1-3)
سقوط دولة الخوف(3–3)
سقوط دولة الخوف(2–3)
سقوط دولة الخوف(1-3)
الطغاة الصغار
بازار الاغتيالات في العراق!
صادوه ·· صادوه ·· صادوه !!
  Next Page

الديمقراطية الشكلية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ملف الغزو!!:
سعاد المعجل
إشكالية توليفة الحداثة والتخلف(3-3):
بدر عبدالمـلـك*
انحطاط العقول وليس "أبو الفنون":
يحيى الربيعان
يوميات محمد في المحكمة(3)
قضاتنا مرفهون:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
برلمان "الجمعية" !:
محمد حسين بن نخي
التحولات المستحقة!:
عامر ذياب التميمي
مبادرة الشرق الأوسط الكبير·· رفضها الحكام دون علم الشعوب:
المحامي نايف بدر العتيبي
أبو فطيرة والجيوب الفقيرة:
عبدالخالق ملا جمعة
على القوى الديمقراطية والليبرالية أن توحد صفوفها:
موسى داؤود
هنيئا روسياCongratulations Russia
(1-3):
خالد عايد الجنفاوي
هل من سبيل للسلام؟!!:
عبدالله عيسى الموسوي
أحمد البراك:استقلال القضاء مبدأ نفتخر به في قانون إدارة الدولة:
حميد المالكي
مستقبل الاستثمار الإعلامي الخليجي!:
رضي السماك