رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 محرم 1426هـ - 16 فبراير 2005
العدد 1665

من البحرين إلى المنفى(6)
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

في السابع من أغسطس 1958 جاء رئيس الحرس بقصاصة من مجلة التايمز البريطانية الى المساجين الثلاثة: عبدالرحمن الباكر وعبد علي العليوات وعبدالعزيز الشملان وفيها خبر عن توكيل مكتب محاماة في لندن "شريدان وشركاؤه" للمطالبة بالإفراج عن سجناء البحرين في سانت هيلانة· وفي قصاصة لاحقة من الجريدة نفسها، علم الثلاثة بأن أخا الباكر الموجود في القاهرة هو حلقة الوصل بين المعتقلين والمحامي، ولم يكن للباكر أخ في القاهرة!! وفي الرابع عشر من ذات الشهر وصلت رسالة للباكر من ابنه عبدالله، الذي كان في بعثة دراسية على نفقة حكومة قطر ما يفيد برفعه تلك الدعوى، فظن الباكر أن خبر التايمز من أن حلقة الوصل هو أخو الباكر ما هو إلا تغطية على ابنه عبدالله لكي لا يمسسه سوء!!

في السابع عشر من مارس 1959 وصلت بارجة بريطانية الى جزيرة سانت هيلانة تحمل هيئة المحكمة مع موكلهم المحامي براون· لم يستبشر الباكر وصاحباه خيرا، فالقاضي كان من أولئك الذين خدموا التاج مدة طويلة في المستعمرات وكان آنئذ يشغل منصب رئيس محكمة الاستئناف العليا في لاجوس بنيجيريا· وقد أخذ ذلك القاضي بشهادة بلجريف المقيم السياسي بالبحرين، الذي كان على عداء شديد مع "الاتحاد الوطني" بشكل عام والباكر بشكل خاص!! أما المحامي فقد بدا ضعيفا قليل الحجة· وفي العشرين من الشهر تُلي الحكم برفض الدعوى وبعدم أحقية المتهم بالاستئناف، فلم يبق باب الأمل إلا بالاستئناف أمام مجلس الملكة·

وافقت اللجنة القضائية في مجلس الملكة في 25 يونيو 1959 على طلب الاستئناف، وفي 27 يناير 1960 عقدت المحكمة جلسات عدة للتداول في القضية التي وصفت بأنها "معقدة"!! وبعد ستة أشهر (1/6/1960) أصدرت المحكمة حكما برفض الاستئناف!! أما طوق النجاة فقد جاء من البرلمان البريطاني الذي عقد جلسة مطولة في العشرين من ديسمبر 1960 ناقش فيها قضية سجناء البحرين في سانت هيلانة بعد أن رفض حاكم البحرين تبديل السجن بالإبعاد أو الرأفة وأصر على إعادتهم ليسجنوا في البحرين· وتعهدت الحكومة أمام المعارضة البرلمانية بعدم تسليم هؤلاء وبفتح باب القضاء أمامهم·

على ضوء الأجواء السياسية الجديدة وعلى ضوء معلومات جديدة، تقدم عبدالعزيز الشملان بدعوى طلب الإفراج عنه، حيث بحسب القانون الإنجليزي يستطيع المتهمون في قضية واحدة أن يرفعوا دعاوى منفردة كل بصفته الشخصية· وفي السابع من يونيو 1961 وصلت السفينة التي تقل هيئة المحكمة مع المحامين، وفي اليوم التالي عقدت المحكمة أولى جلساتها· وقد ركز المحامي على خطاب حاكم البحرين الذي يأمر فيه ربان البارجة بنقل المساجين الثلاثة الى سانت هيلانة وبين عدم وجود مثل هذا الخطاب· وأثناء مداولات المحكمة، سأل القاضي محامي الحكومة البريطانية هل لديه اعتراض فيما لو حكم لصالح الشملان من أن يشمل ذلك الحكم المنفيين الباقيين، وهل يمكن نقل هؤلاء الى البحرين؟؟ فأجاب محامي الحكومة البريطانية بأنه ليس هناك اعتراض من شمول الحكم الاثنين الآخرين، أما ما يخص عودتهم الى البحرين فإنه لا ينصح به لأن الحكم عليهم بالسجن ما زال قائما·

وفي صبيحة الثالث عشر من يونيو 1961 حكمت المحكمة بالإفراج عن عبدالعزيز الشملان "وهو الحكم الذي يشمل زميليه الباكر وعليوات"، وعند سماع الحكم دوت القاعة بالتصفيق، وانهالت التهاني على المسجونين الثلاثة وفرح أهل مدينة جيمس تاون التي تقع في آخر المعمورة· ومن الأسئلة الملحة التي بقيت في ذهن عبدالرحمن الباكر سؤال عن الجهة التي مولت الدفاع عن قضيتهم، فقد تحدث طويلا حول هذا الموضوع مع شريدان صاحب مكتب المحاماة الذي أخبره بأنه لا يعلم عن المصدر وكل ما يعرفه أن "صديقكم في لندن يدفع لنا كلما طلبنا منه المال"·!! وبقي سر هذا الممول طي الكتمان الى الذكرى الخمسين لقيام حركة الاتحاد الوطني والتي أحيتها القوى الوطنية في البحرين في ديسمبر الفائت، إذ كشف ابن الباكر عبدالله، الذي كان حاضرا لذلك المهرجان من أن الشخص الوسيط مع مكتب المحاماة كان السيد جاسم بوحجي، وهو من حركة الاتحاد الوطني، هرب الى الكويت وسكنها مدة طويلة بعد القضاء على الحركة، وهو ما زال على قيد الحياة ويتنقل بين الشارقة والبحرين· فالسيد جاسم بو حجي، كان يدفع للمحامين من أموال كانت تتبرع بها الجمهورية العربية المتحدة برئاسة جمال عبدالناصر، الذي كان مهتما شخصيا بسجناء البحرين والدفاع عنهم بكل السبل والوسائل·

أما مصير القادة الثلاثة فلا بد له من وقفة قصيرة ننقله من كتاب الباحث فؤاد خوري الموسوم: "Tribe and State in Bahrain" صفحة 214· فقد اتخذ عبدالرحمن الباكر بيروت مسكنا له وأخذ يعمل بالتجارة بين لبنان وبين قطر وتوفي بها في العام 1967 دون أن يرى البحرين ثانية، أما عبد علي العليوات فقد استوطن النجف وتوفي بها في العام 1969 وكان قاب قوسين أو أدنى من سماح حكومة البحرين له بالعودة الى مسقط رأسه· وقدر لعبدالعزيز الشملان أن يرى بلده، فبعد أن مكث مدة في دمشق وأسس بها متجرا لبيع أدوات الصيد، عاد الى البحرين وانتخب في المجلس التأسيسي في العام 1972 وأصبح نائبا للرئيس، وفي العام 1974 عين سفيرا للبحرين في القاهرة، وتوفي في أواخر الثمانينات·

ستبقى ذكرى هؤلاء حاضرة في وجدان الشعب البحريني وشعوب منطقة الخليج العربي، وسيكون عطاؤهم دوما موضع فخر واعتزاز ونبراسا للمطالبين بدولة النظام والقانون، ولن تنسى كتب التاريخ أمثال هؤلاء الرجال·

قال الشاعر:

لولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتال

alyusefi@taleea.com

�����
   

بعد وأد البنات.. نحر البنات
الجاهليون يولدون من جديد..!!:
بدر عبدالمـلـك*
في جذور التفكير الإرهابي
صيد.. وقنص!:
أحمد حسين
إحياء عاشوراء:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الحرية: الضامن والهدف:
سعاد المعجل
السلطة الرابعة والكهفيون:
محمد بو شهري
قراءة في الانتخابات العراقية:
يوسف مبارك المباركي
قاهريون بلا ماء:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
تحديات التنمية!:
عامر ذياب التميمي
"المواطنة" والمادة الثانية للدستور:
مسعود راشد العميري
من البحرين إلى المنفى(6):
د. محمد حسين اليوسفي
شهادة جندي(1-2):
عبدالله عيسى الموسوي
الأكراد ورئاسة الجمهورية الأولى.. مرحى مام جلال:
محمد حسن الموسويü
إذا حبتك عيني..:
على محمود خاجه
الهيئة الوطنية لاجتثاث التكفيريين وفكرهم:
فيصل عبدالله عبدالنبي
أين جمعية الدفاع عن المال العام؟:
عبدالحميد علي
قراءة أولية في الانتخابات العراقية:
رضي السماك