تابعت أغلب ما كتب عن النساء وهن يخضن تجربة جديدة في عالم السياسة وهي تجربة تختلف تماما عن انخراط مجموعة صغيرة من النساء مجموعة فئوية في العمل السياسي الحزبي الطلابي والشبابي لها أهميتها التاريخية إذا ما نظرنا لها في سياق الواقع المتاح والممكن، غير أن الانتخابات النيابية لها خصوصيتها كمعركة وتنافس ضروس بين المتحرشين والعلاقة المباشرة واليومية متجذرة وثقافة أخرى تدعم تلك الظاهرة المحافظة وتداخل الديني بالاجتماعي كجزء من ثقافة مركبة تضيف عوامل القوة والتأثير للمجتمع الذكوري وتقلل من الجهة الأخرى نفوذ ودور مكانة المرأة في الوسط الاجتماعي ووشائجه المتعددة وبنياته المتفاوتة ما كتب في الإعلام والصحافة المحلية والخارجية عن عدم نجاح أي امرأة في الانتخابات كان من القسوة والفظاظة - الذكوري أيضا - حيث أغلب الكتاب والصحافيين كانوا من الرجال، فلم تكن من الموضوعية والعقلانية فتم التركيز على النتائج والمعطيات وتغاضوا عن الأسباب الفعلية لذلك الفشل، وإن كنا لا نعتبر مفردة الفشل ظاهرة ومفردة ايجابية إذا ما فهمنا المفردة خارج ثقافة شرقية تؤمن وتخاف من المواجهة وتعيش في بوتقة ودائرة العيب والخوف من ظلال الرجال كما تخاف المرأة الخروج من البيت في مساء مظلم، ففي ثقافة الشرق المرأة كائن نهاري كالدجاج، وإذا ما قررت الخروج فذلك من خلف حجاب وقناع وسواتر ترابية وحديدية كما كانت نساء المجتمع الأرستقراطي يفعلن في الماضي عندما تتخفى المرأة النبيلة للقاء عشيقها داخل عربتها الذهبية وهي تقطع مسافة قريبة بين الغابة وأطراف المدينة أو حتى خارج سور القلعة الحصينة، إزاء ثقافة متجذرة في الوعي التاريخي في مجتمع محافظ يصل في درجته الى مرتبة الرجعية والظلامية والاستبداد في تعامله مع الأنثى وقد انعكس ذلك في الثقافة وخطابها اليومي، والذي كرسته الأمثال والأدب والشعر والقيم، ففي تلك المنظومة الثقافية يستكين الفكر والمنظور والمفاهيم والدين والأخلاق ما يجعل المرأة تخوض جبهات من المعارك المتعددة في آن واحد، لهذا لم تكن معركة المرأة هي معركة انتخابية على المقعد النيابي وحسب بل معركة شاملة وواسعة مع ثقافة مهيمنة وقيود تاريخية يحتكرها الرجل باعتباره ممثلا للسلطة بكل مستوياتها العائلة والدولة والمجتمع والمؤسسات الدينية والحزبية والسياسية وغيرها من مكونات المجتمع، وإذا ما وضعنا معركتها في هذا السياق ونظرنا له من زوايا متعددة فإن علينا أن ننظر للمشاركة الانتخابية على أنها انقلاب تاريخي في حياة المرأة السياسية ودخولها المعركة في ظروف شرسة واستبدادية ثقافة استبدادية خفية ومعلنة، ولا نريد في مقالتنا النزول الى مستوى إسفاف الرجال في حملتهم الانتخابية كمنافسين للمرأة بتذكرهم ما اقترفوه من دونية ثقافية لا يمكن أن يمارسها جنتلمان "ملتحي" في استعراض ما فعلوه من سلوك مشين ونشر إشاعات وكلمات تفتقد للكياسة والتهذيب، وإذا ما تخلينا كم استخدم التيار الديني من عبارات خسيسة ضد منافسين رجال مثلهم فإننا بالإمكان تخيل وعرض كل ما تم توظيفه في الحملات الانتخابية ضد المرأة في سائر الأمكنة والتجمعات·
وأمام ذلك الاخطبوط التاريخي الذي اسمه التخلف ومعاداة المرأة كانت النساء يقاتلن بروح عظيمة وإرادة كبيرة وصبر يذكرنا بصبر المرأة وقوتها وهي في لحظات المخاض تصرخ، بينما الرجل الجبان يتصبب عرقا ويغمى عليه، غير أنه يجيد الألفاظ الكاذبة عندما تناطحه في الحقوق وتنافسه في الوظائف وتتحداه في القدرات الذهنية والمعرفية والسلوكية فلا يستطيع تقدم ولو ذرة من إقناعنا بمنطقه الضعيف عن أن للرجال أفضلية على الناس ومن حقه ممارسة التمييز العنصري ضدهن· أما ذلك العنكبوت المختلف في كهفه المظلم كانت المرأة تواجه قدرها في الانتخابات في وقت كان صراعها أوسع وأعمق من صراعها مع منافس مؤقت ورجل طارئ فهناك يكمن ويتضمن مفهوم وصراع تاريخي أوسع من لحظة التصويت والحملة الانتخابية، ومع ذلك كانت الانتخابات ميدانا مكشوفا ومعلنا وواضحا تحظى منافسته له في البيت والوظيفة والحياة، وقد منحتها الغريزة رغبة المواجهة مثلما منحها الميثاق والدستور حقوقا متساوية غير أن التخلف والتقاليد كانتا لها بالمرصاد، وعليها اختراق جدار العتمة والظلام الروحي والعقلي بعمل دؤوب ومثابر وطويل لا ينتهي بمعركة الخسائر والفوز في مجال واحد من معارك عدة، ولكي تنتصر في ميادين جديدة كالانتخابات النيابية عليها أن تحفر باستمرار في صخر الزمن وتراكم التاريخ المترسب من سلطة الاضطهاد والتهميش، أن تخرج من دائرة عزلها في "كرنتينة" الأنوثة المخيفة للرجال والشيطان الجميل الرائع والمضلل في ثفافة ذكورية مجحفة، لهذا كان من الطبيعي أن تخسر بالمطلق دون أي نجاح ولكنها كانت تعلن في أول تحد تاريخي وهي تصرخ في أذن الكون إني قادمة كالطوفان، وعليكم الانتظار قليلا أيها السادة المزيفون بصولجان الكذب· |