مرت أربع سنوات على انتخابات عام 2002 وها نحن ندخل للمرة الثانية قاعات الانتخابات متجهين نحو صناديق الاقتراع غير أن السنوات الأربع الحافلة بالحكايات والقصص الوهمية والتجربة المريرة والحلوة بمرارتها أيضا، ففي فضاء الحريات تطور الوعي العام للناخبين بصورة نسبية وتحسنت أمور كثيرة لا يمكن لمن له عقل وعين لا يراهما في مناخ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وهي تطورات تظل أقل من طموح وتطلعات الشعوب خاصة تلك الشعوب التي غرقت في فترات طويلة من عتمة الكبت السياسي ومصادرة الحريات وغلق كل نوافذ البيوت ومنع هواء الحرية للدخول الى حدائقها وغرفها المعتمة، دون شك تعلم الجميع من تلك الحكايات وطرافتها ،وخباياها، لهذا منحتنا الأربع سنوات الماضية إمكانية المقارنة بما يحدث اليوم من مزايدات وحملات انتخابية تظل هي أكثر تقدما من الدورة السابقة، منحتنا إمكانية التشخيص والتقييم لما هو قائم وما هو بات من سجلات الماضي والتوثيق ومع ذلك تبقى الذاكرة الإنسانية ثنائية في جوانبها فهي ذاكرة سريعة النسيان من جهة وذاكرة قادرة على الاستيقاظ وإعادة نفض الملفات من غبارها وتنشيط عملية رصد وفحص كل ما قيل ومورس في الماضي من جهة أخرى ومن أهمها تلك التجاوزات الكبيرة والخطيرة التي تغلغلت إليها قفازات الأخبطوط وهو قابع فيما وراء الأجهزة، فقد نجح التنين وتغلغل الى جسد المؤسسات الرسمية وسيطر على مفاتيحها المهمة، بحيث صار كادره التنظيمي وعناصره الحزبية والمؤىدة قابعة هناك مهيمنة على دفة قيادة الأشياء من الخلف ووراء الكواليس·
وإذا ما افترضنا حسن النية في قلة خبرة الدولة في التنظيم والعجالة في تمرير مشروع ضخم بحجم الانتخابات النيابية فهناك حتما تحدث هنات وكبوات عدة ولكن الفارق بين أصابع التنين السوداء العابثة بالورق والتزييف شيء وسذاجة نوجزها في الأمور التالية: بما أن التنين كان مسيطراً على أجهزة مؤسسة ضخمة كمركز الإحصاء والمعلومات فهو كان مشرفا على اختيار من يديرون عملية التصويت والاقتراع في تلك القاعات، فكان واضحا تراخيهم وتمريرهم للعبة الخفية في التصويت فماذا فعلوا بالملموس بتغيير إرادة الناخبين في التصويت؟ فهم قاموا بمايلي: أولا استغلوا كبار السن من الأميين فقاموا بوضع علامات لأنصارهم في حالة أن الناخب قال لهم أريد فلاناً وإذا لم يكن المرشح من بطانتهم قاموا بوضع العلامة في خانة مرشحهم، وبذلك تم استغفال الناخب الأمي الذي تم اصطحابه بصورة تمثيلية خاصة أن المرشحين لم يكن لدى ممثليهم ووكلائهم حقا في رؤية كل ورقة يصوت عليها تلك المجموعة من الأميين كما يحدث في انتخابات الكويت فقد كان القاضي يرفض بالتمام منح وكلاء المترشحين التأكد من نزاهة التصويت، ثانيا تمت لعبة الأخطبوط في قدرته على التحكم إلكترونيا خاصة أن كوادره المعنيين في المراكز كانوا غالبتيهم من بيت التنين وعائلته المصونة بمن فيهم كبيرهم الذي علمهم السحر والذي تمت إزاحته من مركزه بعد فضيحة تقرير البندر والإصرار على عملية التصويت الإلكتروني حيث بالإمكان أن يقوم الشخص بالتصويت مرتين، ففي المرة الأولى لا يتم تسجيله في الكمبيوتر بصورة رسمية بينما يختم في الجواز بالتصويت ثم ينتقل الى مركز آخر وهناك بسهولة يتم تسجيله لكي يبدو أنه صوت مرة أخرى غير أن أصدقاء التنين يمررون الجواز المختوم وكأنهم لا يرون الختم ويلعبون بين مراكز وأخرى بالتزييف خاصة أن عددا كبيراً من النساء المنقبات تحركن في المراكز بحرية لمرات عدة، ورفضن الكشف عن وجوههن لمندوبين مستقلين وليس أنصار وأبناء التنين، هكذا صوت الواحد فيهم لمرتين بكل سهولة·
كنت جالسا بين مندوبيهم ولم أفهم يومها شفرة غريبة قيلت أمامي نجحت الخطة فكان مترشح التنين هادئاً دون توتر يذكر وهذا أمر غريب للغاية!! وكأنما نام مرتاح البال بعد أن وضع الفوز في جيبه! مسألة أخرى وهي ثالثة الأثافي أن التنين استفاد من المراكز العامة بدرجة غريبة ففي دائرتنا الأولى تحركت باصات كاملة للتصويت وهي أصوات كانت مضمونة، باصات عرفها كل من شاهد الواقعة أنها ممتلئة زادت على مئتي شخص، فإذا بالمتنافسين يكتشفان أن الأصوات أقل مما يتصور صاحب الباص الممتلئ بأنصاره بل بكت الوكيلة عنه عندما وجدت أن كل من صوت لهم مجرد 46 صوتا ولكي لا يبدو الأمر فاضحا تم فوز التنين في اللعبة بفارق صوتين في ذلك المركز·
أما القضية الرابعة فهي العلة الكبرى فوجدنا تراخي الرقابة والقضاء والأجهزة التي يهيمن عليها عرابو التنين والذين تغلغلوا في جسد مؤسسات الدولة من أبسط وظيفة الى أرقى منصب لهذا لن يكفي إزالة رأس التنين وترك جسده يتلوى وذيله يضرب شمالاً وجنوبا في خلق الله، وباسم الدين والفضيلة، وإذا ما ترك كالحبل على الغارب، دون وجود لجان رقابية صارمة خارج سيطرة بيت التنين فإننا سنقع في اللعبة القديمة بكل سهولة وسنسمع من جديد الشفرة نفسها، لقد نجحت الخطة لقد بدأ مؤخراً التنين يطرق أبواب البيوت وهو يسأل لمن سوف تصوت هذه المرة؟ فقال أحد الناخبين لفلان ثم طرح السؤال الآخر لمن قمت بالتصويت في المرة السابقة؟ فقال لفلان! فغضبوا أكثر من الإجابة ولكنهم نجحوا في ترقيم وتشخيص كل القائمة الموجودة في الدائرة فهم بذلك يقتربون من الرقم بالمقارنة بين الدورتين وبمعرفة من الذين صوتوا لخصومهم سابقا وسيصوتون حاليا لكي يتم التخطيط والتحرك على بنية مسبقة يفهم لعبتها التنين خاصة أن إخوتهم في الكويت يمدون لهم العون بالنصيحة والخبرة والمال، أليس هم من يرددون علينا ليل نهار "الدين النصيحة"، ولكن يا لها من نصيحة عنكبوتية برأس تنين·
* كاتب بحريني |