رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 26 رجب 1426هـ - 31 أغسطس 2005
العدد 1693

الدستور الأمريكي
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

أعجبني ما كتبه أمير طاهري في جريدة الشرق الأوسط (19/8) حول بعض الشامتين من تأخر إقرار الدستور العراقي، مذكرا هؤلاء الشامتين وجلهم من "الصداميين" أنهم غافلون عن تجارب الأمم في وضع دساتيرها أو متغافلون عنها· ويصدق هذا القول حتى على الأمريكان الذين هم على عجلة من أمرهم دون النظر إلى تعقيدات الوضع العراقي أو إلى تجربتهم الخاصة في وضع دستورهم الاتحادي· فمؤسسو أمريكا - كما يكتب طاهري - احتاجوا إلى ثلاث سنوات لصياغة دستور بلادهم وكانوا جميعا من الإنجليز المسيحيين الذين ينتمون للطائفة البروتستانتية ومن نفس الخلفية الإثنية واللغوية والثقافية، في حين أن المنهمكين حاليا في صياغة دستور العراق الجديد يعكسون تركيبة هذا المجتمع التي تزخر بالتنوع القومي والديني والمذهبي· ولعل تسليط الضوء على تجربة وضع الدستور الأمريكي "وغيرها من التجارب" مفيدة لاستخلاص الدروس والعبر، علما بأن المسائل الأساسية التي يواجهها المشرعون العراقيون حاليا قد واجهها أقرانهم قبل قرنين ونيف·

إن الدستور الفيدرالي الأمريكي هو ثمرة لتجربة تاريخية مر بها سكان المستعمرات الإنجليزية في العالم الجديد حينما أعلنوا استقلالهم في الرابع من يوليو 1776· فشعب المستعمرات هذا بولاياته المستقلة قد شك لفيما بينه "كونفدرالية" حينما انتظم مندوبوه في مؤتمر عام "كونغرس" في 1774 ليعلن مقاطعته للبضائع البريطانية· ومنذ مؤتمره الثاني المنعقد في 10 مايو 1775 أصبح هذا المؤتمر "الكونغرس" حكومة فعلية تنظم شؤون الولايات دون أن يكون لها كيان قانوني اللهم إلا رضى الناس وموافقتهم على وجودها· وحينما وضعت الحرب أوزارها بعد ست سنوات في العام 1781 وهزمت القوات البريطانية، واجهت تلك الولايات مشكلات كثيرة: داخلية وخارجية كادت أن تعصف بها· لذا، فقد ارتأت بعد أن توصلت إلى قناعة مشتركة أن تطور ذاك الاتحاد "الكونفدرالي المهلهل "ليكون كيانا موحدا بوضع دستور جديد يسرى على جميع ولاياته·

وفي سنة 1786 انتخبت الولايات مجلسا تأسيسيا ضم 55 مندوبا اجتمع في مايو 1787 برئاسة جورج واشنطن· وانعقدت مداولات ذلك المجلس بسرية تامة لم يعلم بفحواها إلا بعد مرور نصف قرن، حيث تبين أنها لم تخل من مشاحنات ومناقشات حادة وتنازلات وصفقات ونحوها· ولم يأخذ المجتمعون بمبدأ الإجماع بل بمبدأ الأغلبية لإقرار الدستور "موافقة تسع ولايات من مجموع ثلاث عشرة ولاية"· ومنذ البداية طفت على السطح مشكلة وهي: كيف يمكن أن يقام اتحاد تكون فيه الولايات على قدم المساواة من حيث صنع القرار في حين هي تختلف في الحجم والقوة· ورئي أن يشكل مجلسان منتخبان: الأول هو مجلس النواب، ويكون عدد ممثلي كل ولاية بنسبة عدد سكانها· والثاني هو مجلس الشيوخ يمثل فيه كل ولاية بمندوبين يتم انتخابهما بواسطة المجلس التشريعي لكل ولاية·

وهذان المجلسان ليسا حرين في إقرار ما يرغبان من تشريعات، فهناك حقوق للأقلية يحفظها الدستور ومبادئ الثورة الأمريكية المنطلقة أساسا من نظرية الحقوق الطبيعية· ومن المسائل التي حظيت بنقاشات موسعة شروط انتخاب رئيس الجمهورية وصلاحياته، حيث أعطي صلاحية تعيين القضاة الاتحاديين وتعيين قيادات الجيش· وقد تم الاتفاق على أن ينتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب الأمريكي، ولكن نظرا للحالة البدائية التي كانت عليها البلاد فقد تم الاتفاق على فكرة الانتخاب غير المباشر عن طريق نواب تنتخبهم الولايات لهذا الغرض بالذات· واتفق الجميع على أن الحكومة الاتحادية ترعى الشؤون الخارجية والتجارة الأجنبية والدفاع وفرض الضرائب وغيرها، مع إعطاء هامش كبير من الحرية لكل ولاية·

تم الانتهاء من الدستور في 17 سبتمبر 1787 وأرسلت الى الولايات كي تناقشها قبل أن تقرها، وجرى حوار طويل بين من يرغب بحكومة اتحادية وآخرين كانوا يخشون منها· ووافقت معظم الولايات على ذلك الدستور في العام 1788· وقد أدخلت عليه فيما بعد عشرة تعديلات، تم إقرارها في حينه تتضمن مبادئ لحقوق الإنسان وضمانات لحريته فضلا عن مبدأ فصل الدين عن الدولة·

وتحرك الكونغرس بسرعة كبيرة ليخرج الحكومة الجديدة إلى حيز الوجود، إذ قرر أن يتم انتخاب أفراد الهيئة المكلفة بانتخاب الرئيس وأعضاء المجلس النيابي في 7 يناير 1789، وأن يجتمع أعضاؤه للتصويت على الرئيس في الرابع من فبراير، وأن يجتمع أول كونغرس في الرابع من مارس، وحينما اجتمعوا وفتحوا صناديق الانتخاب المغلقة التي وضع أفراد هيئة انتخاب الرئيس أصواتهم، وجدوا أن تلك الهيئة قد انتخبت بالإجماع جورج واشنطن ليكون أول رئيس للولايات المتحدة في ظل الدستور الجديد·

لكن هذا الدستور كان دستور القلة، فقد كان حق الانتخاب مقتصرا على من يملك عقارا، أي عشر في المئة من السكان البيض، ورغم نزعاته الإنسانية، فإن هذا الدستور لم يعالج قضية الرق أيضا، حيث كان الرقيق يمثلون طبقة مسحوقة تعمل في مزارع الجنوب فضلا عن المتاجرة بهم· وكان هذا يقتضي مرور نصف قرن ليظهر ابرهام لنكولن ويحرم العبودية ويدخل في حرب أهلية مع الجنوب· ثم إن ذلك التحرير كان لا بد أن يمضي عليه قرن تقريبا ليتم فيه تحقيق المساواة بين السود والبيض في الحقوق المدنية بحركة بدأت بستينات القرن الماضي على يد مارتن لوثر كنج·

ومنذ ثلاثة عقود تطالب حركة تحرر المرأة في أمريكا بتنقيح الدستور بحيث تفسر لفظة "مواطن" لتعني الرجل والمرأة وبالتالي يتم إقرار المساواة في الحقوق والواجبات تبعا لذلك·

خلاصة القول، أن وضع الدستور خطوة مهمة على طريق إرساء الديمقراطية في العراق، لكنها حتما لن تكون الخطوة الأخيرة كما علمتنا تجارب التاريخ·

alyusefi@taleea.com

�����
   

إرهاب بصره.. حديد!:
أحمد حسين
وللعراق دستوره:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الهندسة المجتمعية!:
عامر ذياب التميمي
العراق الشقيق في خطر محتدم:
محمد بو شهري
الطويل....بين المطرقة والسندان!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الدستور الأمريكي:
د. محمد حسين اليوسفي
سمعة الوكالة:
عبدالخالق ملا جمعة
"دلال" القطاع الخاص:
ناصر بدر العيدان
شهالحچي يالطبطبائى:
على محمود خاجه
التعويض!!:
عبدالله عيسى الموسوي
صنع في الكويت... خطوة ناجحة في درب الاقتصاد الناجح:
محمد ناصر المشعل
لبس الفرو مقلوبا:
فيصل عبدالله عبدالنبي
زيادة في الأسعار وغش في الإعلان:
المحامي نايف بدر العتيبي