في دراسة بريطانية جرت مؤخرا، أظهرت أن المتابعين للنشرات الإخبارية ولمدة خمس عشرة دقيقة، لها تأثيرها السلبي على نفسياتهم، بحكم أن الذي يعرض في معظمه يتعلق بالمآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية والحروب والاقتتال، وللتغلب على الأخبار السيئة والمثبطة، طالب الباحثون في تلك الدراسة، بأن يمارس المتفرجون بعد الانتهاء من النشرات الإخبارية، بعض التمارين الرياضية الخفيفة كي تساعدهم في رفع معنوياتهم ووضعها في نصابها الطبيعي·
في واقع الأمر، فإن القاطن في هذا الكون المترامي الأطراف، يجد أنه من الصعوبة بمكان عزل نفسه عما يدور في محيطه الداخلي أو الخارجي، وعلى الخصوص نحن في دولة الكويت كجيران للأشقاء العراقيين، فعدم استقرار الأوضاع هناك، لا شك أن له تأثيره السلبي والمؤرق بالنسبة لنا، ولا يعقل أن كل صاحب ضمير وإحساس مرهف، لا ينزعج من سيل حمام الدم الحاصل وبشكل يومي عند الأشقاء· المعضلة الكبرى أن الأشقاء بدلا من أن يجتمعوا على وحدة الكلمة والصف، نكتشف أن كل طرف أو جماعة فرحة بما لديها، وبطريقة أو بأخرى تزدري أو تبعد الآخر من حيث لا تشعر، والفيدرالية التي تروم إليها تلك الفرقة أو تلك فلا بأس بها، ولكن يبدو أن الفيدرالية المأمولة عند البعض، هي من أجل الترسيم للتقسيم والانقسام عن الكيان العراقي الواحد! أتمنى أن أكون مخطئا في حدسي، ولو صدق تخميني فإن تلك التجزئة سوف تسر الأعداء وتبدد الثروات والطاقات·
المؤسف حقا أن العراق الشقيق بالرغم من تاريخه العريق وحضارته التي تزيد عن الخمسة آلاف سنة نجد أن كل ذلك لم يشفع له، نتساءل هنا: أين أصحاب الرأي السديد والعقل الحكيم في اجتثاث الأوضاع المأساوية والخطرة؟ أيها الأشقاء فرحنا لفرحكم كثيرا عندما تخلصتم من ذلك الحكم الاستبدادي، بيد أننا تفاجأنا بالتظاهرة الأخيرة للبعثيين المؤيدين للطاغية وهم يجوبون شوارع بعقوبة! هل يعني ذلك أن ثمة أصوات نشاز تتوق لعودة صدام المصدوم؟ كم نرغب أن تستقر الأمور في العراق الشقيق في القريب العاجل إن شاء الله، ولا يتم ذلك إلا بعد إقرار الدستور الذي يحفظ حقوق الكل وبلا استثناء، وكذلك نناشد الأشقاء بالإسراع في محاكمة صدام المجرم وأزلامه، حتى لا تبقى أي بارقة أمل للبعثيين الأوباش·
الهروب من النطق بالحقيقة
عندما نطالب البعض للنطق بالحقيقة حول موضوع ما، لا يعني ذلك قطعا أننا لا نعلمها، فالأعمى الذي لا يرى الشمس العيب فيه وليس بالشمس، إن الحصيف الوجودي هيدجر: كان يركع طويلا أمام الحقيقة، كي تجود عليه بشيء، كون الحقيقة معبودته التي تتفضل عليه بكلمة أو إشارة ثم تسكت! يقول الأستاذ أنيس منصور: الذي يعطي نفسه للحقيقة تعطيه الحقيقة بعضها، والذي يعطي بعضه للحقيقة، لا تعطيه الحقيقة شيئا!
freedom@taleea.com |