كانت مفاجأة لجميع العاملين أن فتاة في العشرينات ظهرت على الشاشة كواحدة من كبار تجار الإقامات عبر شبكة كبيرة من العلاقات وشركات ورقية عدة تمتلكها، بل الأقسى من ذلك أن هذا الاكتشاف لم يسجل كبداية لنهاية الموضوع كما بدا لكثيرين بل كانت الصدمة كما صرح "المصدر المسؤول" أنها كانت في كل مرة تتجنب فخ الإدانة أو على حد تعبير المصدر نفسه "المفاجأة أنها في كل مرة كانت تخرج من القضية التي توجه إليها بكل بساطة"·
في أمسية أخرى وفي أحد دواوين الفيحاء كان النائب أحمد المليفي يصرح أمام جمهور الحاضرين بأن هناك ضغوطا تعرض لها هو وزميله النائب علي الراشد بسبب استجوابيهما الأخير لوزير الدولة كونه ارتبط بمصالح خاصة بعوائل وبتجار، بل وأوغل بحد السكين في الجرح النازف وهما يؤكدان أن المعلومات التي طرحت في مادة الاستجواب قد حصلا عليها من أشخاص خائفين على البلد ومن موظفين يعملون في مؤسسات أصبحت محميات لا يستطيع أحد أن يدخل إليها بسبب الفساد، وقبلها بيوم واحد كان النائب عواد برد قد صرح في ديوانية أخرى بأن "مستفيدين" قد لعبوا في الاستجواب الأخير دورا أساسيا في عدم وصول المساءلة السياسية الى ما يجب أن تصل إليه·
وفي صبيحة يوم ثالث وعلى صعيد الجهاز الرقابي الأول في الدولة والأكثر استقلالية قال وكيل ديوان المحاسبة في مؤتمر صحافي "أن كل عمل رقابي يتعرض للضغوط"، وأردف قائلا في إشارة أكثر وضوحا بأن "اهتمامات ديوان المحاسبة اشتملت على قضايا الفساد وكان له دور حيوي في هذا المجال لم يظهر الى العلن"·
وفي ميدان رابع وبصدد واقعة تزوير اكتشفت مطلع العام الحالي واتهم فيها مدير إحدى الشركات المحلية ورئيس قسم في إدارة حكومية مع عدد من موظفيه قال مصدر أمني إن "النيابة العامة بصدد إحالة ملف القضية الى المحكمة على الرغم من الضغوط التي تمارس من أجل حفظ القضية"·
رغم اختلاف هذه المواقع من إدارات حكومية الى البرلمان الى أجهزة الرقابة ومؤسسات تفعيل القانون كان هناك قاسم مشترك بينها جميعا اسمه "المتنفذون" الذين راحوا يمارسون الضغوط وينشئون المحميات التي ترعى مصالحهم هنا وهناك من خلال أقنعة تبدو متباينة إلا أنها تنضوي في النهاية أيضا تحت عنوان واحد اسمه الفساد·
ويستثمر هؤلاء المتنفذون عادة تراخي القوانين وثغرات الأنظمة المالية والإدارية والصلاحيات الاستثنائية الرسمية والموظفين الخائفين على مكتسباتهم الوظيفية الثمينة أو المتواضعة أو الموظفين الذين لا حول لهم ولا قوة، فضلا عن شبكة عامرة بالعلاقات الاجتماعية والمالية والسياسية·
وتوفر هذه البيئة الحاضنة للفساد الأجواء الملائمة لتوالد أجيال متتالية وبأردية مختلفة وإمكانات وطموحات متفاوتة من المتنفذين·
ورغم سوداوية هذه الصورة إلا أنها لا يجب أن تعني بالنسبة للمكافحين ضد الفساد أكثر من أن الرحلة طويلة والعمل شاق، لن يكون هناك وطن نزيه يوفر الفرص لجميع مواطنيه بالتكافؤ إلا بالعمل الدؤوب وبتكاتف المخلصين في المجتمع المدني والإعلام والبرلمان والحكومة لمغادرة هذا الواقع الباهت نحو مستقبل أكثر إشراقا·
a2monem@hotmali.com |