تاريخ الشعوب مليء بالأحداث والتقلبات التاريخية·· فالقوة والضعف والصحوة والسبات والفرقة والتوحد هي مظاهر طبيعية في حياتها وتتنافى هذه المظاهر حسب ظروف المرحلة التي تمر فيها، وحالة الضعف التي تطبع واقعنا الحالي قد دفعت بالقوى العظمى الى الهيمنة العسكرية والاقتصادية ونتج عنها احتلالا عسكريا لجزء مهم من منطقتنا العربية وهذا الاحتلال رغم مرارته إنما أعطى الفرصة التاريخية للمصالحة الوطنية ونبذ كل أنواع الخلافات لمواجهته مهما تنوعت وتعمقت الاتجاهات أما أن تتعمق الخلافات وتزداد الفرقة في مثل هذه الظروف والوضع أحوج ما يكون الى التماسك والتوحد فهذا يعني تقديم الخدمة المجانية للمحتل وتصبح الخسارة مضاعفة للجميع·
التركيبة الفسيفسائية لأي مجتمع يفترض أن تكون عامل قوة له لأن التنوع والتعدد يمدان المجتمع بعوامل القوة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، ولكن في الحالة العراقية اختلفت المعايير وأصبح التنوع عامل فرقة وانقسام في مواجهة المحتل فتنوعت الآراء بين المقاومة والمطالبة والمهادنة ولكل حجته وقناعاته وهذا الاختلاف أعطى المبرر لقوى التحالف ولبعض القوى الداخلية للتمسك بالصندوق الانتخابي لتحقيق الإجماع الوطني من خلال مؤسسات شرعية يحتكم الجميع الى قراراتها·
لا شك بأن الديمقراطية هي الحل وهي المخرج لكثير من الأزمات ولكن من خلال شفافية صندوقها الانتخابي البعيد عن الهيمنة والإملاءات، ولكن السؤال المطروح: أين الشفافية في ظل الاحتلال؟ وأين الشفافية في ظل الفلتان الأمني؟ وأين الشفافية في ظل نزعات طائفية وعرقية، وأين الشفافية في ظل غياب البطاقة المدنية؟ وأين الشفافية في ظل غياب المشروع الوطني وتدهور الحالة المعيشية فالديمقراطية كمشرط الجراح لا تقوى على استئصال العلل إلا في ظل أجواء نظيفة ومعقمة، والأجواء الحالية لا تؤدي إلا الى الغرغرينا والعضال، وحتى لو تحققت فيها الشفافية بحدودها الدنيا وهذا مستبعد فلن يكون الآتي إلا مقبولا من قوى التحالف ومتسقا مع استراتيجيتها وإلا خالفنا منطق التاريخ·
بالطبع هذا الرأي لا يجد قبولا لدى بعض الأطراف والتي ما زالت تعتقد بإمكانية إجراء الانتخابات وفي ظل هذه الظروف الصعبة وأن الصندوق الانتخابي الحالي قادر على تحقيق الاستقرار ولا أدري إن كانت هذه الأطراف ناسية أو متناسية بأن الاستقرار لا يتحقق أولا إلا بالإجماع الوطني وأن الكل في الوطن أقلية وأي مراهنة على الظرف لتحقيق مكسب ما أو تحقيق حلم ما لن يكون في صالح الوطن وسيحصد الجميع الفشل·· والأفضل أن تبذل المحاولات أكثر لتأمين إجماع على مشروع وطني يحقق السيادة ويبني عراقا ديمقراطيا متعددا· |