بعد إنجاز انتخابات المجلس التأسيسي في العراق وإعلان النتائج، تخطو القوى السياسية العراقية نحو صياغة دستور دائم يمكن العراقيين من تأسيس نظام سياسي يختلف عما ألفوه خلال السنوات الخمسين الماضية·· وبالرغم من تشكيك المتشائمين، أو بالأحرى المناهضين للتغيير، فإن الأمور تسير بتدرج معقول نحو التوسع في الحريات وحقوق المشاركة السياسية وتطوير العلاقات بين مختلف الأطياف في ذلك البلد·· وإذا كانت انتخابات المجلس البلدي في السعودية قد اعتبرت من عدد من المراقبين بأنها خطوة متواضعة في طريق طويل إلا أنها لا بد أن تكون قد شكلت نقلة نوعية في الحياة السياسية والاجتماعية هناك·· يعني ذلك أن ليس هناك وضع سياسي قادر على المناعة من التغيير نحو الديمقراطية، وربما يستطيع هذا النظام أو ذلك من تبطئة الحركة من خلال وضع أنظمة انتخابية مقيدة، مثل منع المرأة من المشاركة، أو تحديد صلاحيات المجالس المنتخبة أو موازاتها بمجالس معينة·· هذه المحاولات لن تجد نفعا مع مرور الزمن وارتفاع درجة المطالبة، خصوصا وأن التطور على المستوى العالمي والتواصل المستمر بما يحدث في أصقاع أخرى من العالم نتيجة لتحسن تقنيات الاتصال والإعلام لن يمكن الأنظمة من الاستمرار في صد التحولات·
إن ما حدث في العراق في فترة زمنية قياسية من تمكين العراقيين من انتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور وهو يملك صلاحية اختيار حكومة وطنية لا بد أنه مثل تحولا مهما للعراقيين الذين عانوا من فقدان حقوق الاختيار منذ زمن سحيق ومورس ضدهم الإرهاب بكل صنوفه، على الأقل على مدى خمسة وثلاثين عاما هي الفترة التي تسيد فيها البعث وصدام السلطة في العراق·· ويبدو مثيرا للاهتمام، بعد إعلان النتائج، رؤية السياسيين، حتى داخل الائتلاف الواحد، يتسابقون لترشيح أنفسهم لهذا المنصب السيادي أو ذاك· وحيث إن فترة هذا المجلس التأسيسي قصيرة فإن هناك أيضا فرصة أمام العراقيين لتغيير التركيبة السياسية خلال هذه السنة، عندما يحين موعد الانتخابات التشريعية في شهر ديسمبر بعد الاستفتاء على الدستور الذي ستتم صياغته من قبل المجلس التأسيسي·· ولا شك أن القوى التي قاطعت الانتخابات ستعيد النظر في مواقفها وربما تشارك في الانتخابات المقبلة حيث لن يكون أمامها من وسيلة سوى هذه المشاركة للمساهمة في العمل السياسي وطرح خطابها السياسي والثقافي على العراقيين وتحمل المسؤولية بالنيابة عنهم، أو على الأقل شرائح منهم·
أما انتخابات السعودية فهي من المؤكد خطوة في طريق طويل يتطلب تفاعلا بين القوى الاجتماعية، خصوصا القوى الواعية من المثقفين وعناصر الطبقة الوسطى، ونظام الحكم لتطوير العملية السياسية بما يؤدي الى الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد التي تعاني من التطرف الديني والإرهاب الناتج عنه، إن التحولات هناك تستدعي، بالإضافة الى التغيير السياسي، تفعيل عملية التغيير الاجتماعي بما يمنح المرأة المزيد من الحقوق المدنية ويوكد دورها في قوة العمل ويحميها من تعسف الذكور في ذلك المجتمع المحافظ·· لا ريب أن هناك تفاوتا في درجة التطور والتحديث بين الأقاليم السعودية مما لا بد أن ينعكس على الأداء السياسي والتطور الاجتماعي في المستقبل·· لكن من أهم مقومات التغيير المنشودة هناك هو إصلاح النظام التعليمي بما يفعل التسامح وقبول الآخر ويزيد من القدرة على إنتاج مخرجات تعليم تستطيع أن تتحمل المسؤوليات المهنية في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية ويؤدي الى تخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة، خصوصا أن البلاد تبنت منذ أعوام سياسة سعودة الوظائف في القطاعين العام والخاص·
وإذا كانت هناك حركة في كل من العراق والسعودية، وإن تباينت الأهداف والوسائل، فإن البلدان العربية الأخرى لا بد أن تشعر بأهمية إحداث إصلاحات ومتغيرات في مؤسساتها بما يحصن هذه البلدان من الضغوط الخارجية أو الهزات المجتمعية·· ويشمل هذا التقدير مصر ولبنان وسورية وتونس وغيرها من بلدان عربية حيث إن مسألة التغيير تشمل كل بلد في العالم، حتى تلك التي تتمتع شعوبها بأفضل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية·· فمثلا لا بد أن تعيد الكويت النظر في التركيبة الناتجة عن انتخابات مجلس الأمة وتعمد لإصلاح قانون الانتخابات بما يسمح للمرأة بممارسة حقوقها في الترشيح والانتخاب ويوسع من دائرة المشاركين في العملية السياسية مثل منح الشباب الذين تتجاوز أعمارهم الثمانية عشر عاما حق الانتخاب·· كذلك لا بد من تعديل الدوائر الانتخابية لتؤكد أهمية الاختيار على أسس البرامج التي يطرحها المرشحون وليس بسبب انتماءاتهم القبلية أو الطائفية، ويضاف لذلك أهمية تواجد مؤسسات سياسية مقننة ومشروعة، مثل الأحزاب ذات البرامج، لتحسين فرص الاختيار·· بات، إذا، من الضروري على كل نظام حاكم في البلدان العربية أن يعي أهمية التطوير وتوسيع المشاركة لتجنب التخلف ونزق المتطرفين·
tameemi@taleea.com |