تأتي التحالفات كجزء مهم وأساسي في كل النظم المجتمعية سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم غيرها!! لكن التحالفات في عالم السياسة تلعب دورا مختلفا بعض الشيء وذلك لأن المناخ السياسي بشكل عام لا يقف أبدا على أرض صلبة·· وإنما تتحكم به متغيرات تفرضها طبيعة السياسة المتحولة دائما·· وبصورة كثيرا ما جعلت من أعداء اليوم·· أصدقاء الغد أو الحاضر!!
تصريحات السيد يوسف محمد النصف والتي ألقاها في اختتام مؤتمر الإصلاح الاقتصادي في الكويت·· أثارت حفيظة البعض·· على الرغم من أنها تصريحات تعكس طبيعة التحول والتغير في عالم السياسة والذي لا مفر منه ولا مخرج!
إشارة السيد الفاضل "النصف" إلى أن التجار هم الذين جعلوا من الكويت مركزا تجاريا معروفا·· وأن اختيار حكم الصباح كان اختيارا شعبيا لأهل الكويت·· بمن فيهم التجار·· هي إشارة مدونة في كل كتب التاريخ! وحديثه حول التحرك ضد التجار والذي كان بقصد الانفراد بالقرار هو حديث تؤكده تجارب سابقة·· وأحداث آنية وحاضرة!
ما يدفعنا هنا لتناول هذا الموضوع على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على إثارته·· هو الأسلوب الاستفزازي الذي تناولت فيه إحدى الصحف المحلية ما ورد في كلمة "النصف"!!
بداية نقول إن استياء الصحيفة وتذمرها من استشهاد السيد "النصف" بما ورد في كتاب لأحد المؤرخين الإنجليز حول تخوف الأسرة من التجار·· واستعانة المغفور له الشيخ "جابر الأحمد" بالتجار لتقوية موقفه أمام الشيخين عبدالله السالم وصباح السالم طيب الله ثراهما·· هو في الحقيقة مأخوذ من مادة وردت في كتاب تم إصداره بناء على رغبة الحكومة الكويتية في تدوين تاريخها السياسي·· ولم يكن أبدا بدافع تأجيج العداوات·· أو تأويل الأحداث بصورة استفزازية وكما حدث من قبل تلك الصحيفة!
هنالك أمور كثيرة قد تدفع القيادة السياسية سواء في الكويت أو في أي بلد آخر لبناء تحالفات وفك تحالفات أخرى نتيجة لظروف بعضها داخلي وبعضها خارجي! والتحالفات بالطبع تكون مع القوى السياسية المسيطرة في هذا البلد أو ذاك!! والتجار كانوا ولا يزالون قوة سياسية شأنها شأن أي قوى أخرى·· شهدت مراحل من التحالف والتقارب من القيادة السياسية·· ومراحل أخرى خيمت فيها الجفوة والقطيعة على علاقة الطرفين معا!
ومثلما شهد تاريخ الكويت تحالفات للتجار مع بعض القيادات السياسية في الكويت فرضتها ظروف سياسية معينة·· فقد شهد التاريخ نفسه تحالفا للتجار مع الحركة الوطنية التي ولدها التيار الناصري في ستينيات القرن الماضي!
في كتابه القيم "الكويت: دراسة في آليات الدولة القطرية والسلطة والمجتمع"·· يقدم الدكتور شفيق الغبرا الفئات الأساسية التي قام عليها مجتمع ما قبل النفط·· وهي كالتالي: الأسرة الحاكمة والتي امتهنت العمل السياسي المباشر وتخصصت في حماية المدينة من الغارات القادمة من الصحراء! ثم تأتي الفئة الثانية وهي فئة التجار والتي كانت أساس الاقتصاد ولب المجتمع القديم·· وهي الفئة التي كانت تدفع الضرائب للحاكم وشكلت تجارتها أساس دخل المدينة·· وتتكون من عدد صغير من العائلات المعروفة والقديمة والفعالة! أما الفئة الثالثة فكانت عامة الناس ممن عملوا في السفن كغواصين وملاحين وربابنة السفن الكويتية التي امتلكها التجار!
في إطار مجتمع كهذا··· شأنه شأن أي كيان سياسي واجتماعي·· تكون التحالفات هي المحرك الرئيسي للأحداث! والتجار الذين خرجوا من قلب الشكل العام للمجتمع الكويتي قبل النفط·· تطوروا وتطورت أهدافهم وأدوارهم تماما مثلما تطور كل شيء في الكويت حين تحولت من قبيلة صغيرة إلى دولة حديثة بمؤسسات وهيئات مختلفة!
التسلسل الزمني والمنطقي لأي تاريخ سياسي·· هو جزء مهم من تدوين هذا التاريخ والذي قد يؤدي تغييبه أو بتر جزء منه·· إلى تشويه لشكله وكينونته العامة·· وبالتالي إلى تعذر فهمه واستيعابه!! حتى إن أدى ذلك الجزء إلى استفزاز أو تحفظ البعض فإن الواجب والأمانة التاريخية تستدعي عدم تجاهله أو النفور منه مهما كانت الظروف!
suad.m@taleea.com |