في واقعة عرفت باسم مشروع الشبكة الالكترونية أثبتت لجنة التحقيق الوزارية المختصة أنها مليئة بالمخالفات الجسيمة أجملتها في نهاية تقريرها بالقول: إنه كان يتعين على الرئيس ونائبه وهما بصدد تنفيذ مشروع بتلك التكلفة الباهظة بالإضافة الى إقرارهما بضعف المركز المالي للمؤسسة أن يعرضا المشروع على القطاع الخاص للحصول على أفضل العروض، ثم يمضي التقرير قائلا: "بل تعدى ذلك أن جاء العقد المبرم مع الشركة مرهقا ومجحفا للمؤسسة في بنوده ومرحلتيه الأولى والثانية، متجاهلا بذلك الدور الرقابي للوزارة بعدم عرضه للمشروع بضخامته على المسؤولين فيها" ولم يفت التقرير أن ينوه الى أن مفتش الوزارة لدى المؤسسة "أشار في التحقيقات الى وجود مخالفات أخرى"، وفي النهاية رأت اللجنة أن من حق الوزير إصدار قرار بعزل رئيس المؤسسة أو إحالة الموضوع الى النيابة العامة· وفي تعليق لاحق لوكيل الوزارة بعد أن أحيل إليها التقرير وإثارة اللغط في الصحافة حول مآل الموضوع، أفاد بأن قطاع الشؤون القانونية في الوزارة قد وضع بعض التعديلات على العقد وسلم الى رئيس المؤسسة الذي بدوره سيراجع صاحب الشركة لتعديل بعض بنود العقد التي تحمي حقوق المؤسسة، ثم أردف بأنه إذا كانت هناك طرق علاجية تخدم العمل في حدود اللوائح والأنظمة نقوم بتنفيذها بدلا من أن تظل في أروقة المحاكم· وكأن لسان حاله، أي الوكيل، يقول "هل تريدون العنب أم قتل الناطور"·
والحقيقة أنه في مثل هذه القضايا المتخمة بمخالفات وشبهات قد لا يكون المسؤول الكبير متورطا فيها بشكل مباشر وإنما بحكم مقتضيات وظيفته، إلا أنه لا ينبغي الاكتفاء باسترجاع العنب دون محاسبة الناطور، وإلا لأصبحت المناصب للوجاهة الاجتماعية ولتقاضي الحوافز والبدلات ومختلف المزايا المادية والعينية التي تصاحبها وليس لجني كل ذلك مقابل تحمل مسؤولية الأخطاء المباشرة وغير المباشرة التي تقتضي الوظيفة التنبه إليها وتمكنه أدواتها من التعرف عليها وتخوله صلاحياته تقويمها·
إن محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الوقائع تعتبر مطلبا مهما لصيانة المال العام وتنبيه الآخرين في المواقع المشابهة الى ضرورة التعامل بجدية وحزم وتنبه وحذر، وعدم الركون الى مقولة إننا قد قمنا بمعالجة الأوضاع التي نتجت عنها المخالفات، فماذا تريدون أكثر من ذلك أو أن من يحاسب هو من يثبت عليه الجرم فقط، إذ إن من شأن هذا المنطق أن يخلق بيئة مواتية للفساد المالي والإداري يتم فيها تراخي قبضة الرقابة على صرف وتحصيل وتنمية المال العام والاستهانة بصيانته والتساهل في التعدي عليه وضياع المسؤولية وتكريس مبدأ الإمساك بالضعيف وترك الشريف الذي طالما أضاع أمما·
a2monem@hotmali.com |