بحكم أننا في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، فلا بأس لو تطرقنا لقضية باتت مستشرية ومنتشرة في أوساطنا، ومعظمنا أضحى يكابد منها بطريقة أو بأخرى، ألا وهي مسألة الحسد، نأمل أن تنحسر في هذا الشهر الفضيل وتتلاشى في باقي الأشهر المقبلة، إن هذه الآفة المزرية، لا يلوذ إليها إلا الجهال وأرباب القلوب القاسية، يقول النبي الأكرم: "يا معاشر الناس، إن أبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزول أقدامكم"، ومن القصص القرآنية عندما اكتنف الحسد الأسباط أخوة يوسف عليه السلام، فقاموا بالتخلص منه من خلال إنزاله في غيابة الجب·
للعلم أن الحسد ليس مرتبطا بعهد أو عصر معين، فهو موجود في كل الأزمنة، وبدا واضحا وجليا في زماننا هذا، وبالرغم من زحف البشر نحو المدنية وتحقيق الرفاة لجميع أفراد المجتمع، إلا أن الجشع قد أعمى عيون الكثيرين للأسف·· وصار الحسد في عداد الممارسات المرفوضة والعادات المعقدة والمحيرة، وبالتالي زادت الذنوب القلبية والأمراض القاتلة للنفوس، للأمانة من يلجأ الى هذه الخصلة السيئة، لا شك أنه غير سوي وسقيم، فالحاسد بطبيعته الشريرة، لا يطيق أن يرى الخير والحسن على الآخرين، ونجده يروم زوال تلك النعم، كي تتحول له وحده، وبأي وسيلة كانت، فهو يبتغي امتلاك كل ما في حوزة غيره، من ثروة وجاه وصيت وسمعة عطرة، الحاسد من الأشخاص قليلي العلم والإدراك، فهو يغار من أمرئ يفوقه ثقافة وشهرة واعتبار، لذا مصدر حبوره موت ذلك العالم أو تقهقره، والحاسد لا يقاسي ولا يتحمل أي مشقة في كسب عيشه، وعيناه لا تسقط عن مراقبة الآخرين، وبدلا من أن ينشغل بنفسه ويشتغل بشيء يعود عليه بالنفع والفائدة، حتى يلتحق بركب الآخرين الأرفع منه من منزلة وشأنا، نجد أنه من المؤسف أنه يتقاعس عن ذلك، ولا يرغب بالتخلص من ذلك السلوك المشين الذي يلازمه·
المعضلة أننا في دولة تتمتع بالخير، وبسبب وفرة النفط ولا غير، مع ذلك ما أكثر الحساد بيننا، كيف يمكن أن تكون حالنا، لو كنا نقطن في إحدى الدول النائية الفقيرة؟ ناهيك عن الحكومة والنواب المتسربلين برداء الدين، الذين لا يتوانون عن إغداقنا بين الحين والآخر ببعض العطايا، من مشروع إسقاط فواتير الكهرباء والماء الى منحة المئتي دينار مؤخرا·· حبذا لو كان يتم صرف تلك الأموال على بناء جامعة أو القضاء على التلوث البيئي أو حل مشكلة الازدحام المروري· وحتى لا نبتعد أكثر عن صلب الموضوع نعود للحسد والحساد ونريح الحكومة والنواب المزايدين·
الحسد يمكننا أن نراه أيضا في جوانب أخرى، وعلى سبيل المثال: حينما يحتدم التنافس بين المسؤولين حول المال والمركز، وهنا تبدأ شرارة الغيرة والحسد، لدرجة أن كل منهما يود أن يكون وحيد عصره، حتى لو اضطر الى القضاء على من ينافسه بشتى السبل المتاحة لديه، لكي يتفرد هو بالمركز والمال! وهنا تكمن الطامة الكبرى·· نسأل الله أن يهدي الحساد وأن يحمي المحسودين من شرورهم·
freedom@taleea.com |