إن أبسط طريقة لتضخيم أي شخصية في العالم الإسلامي هي رص الألقاب أمام اسمه وإعطائه هالة يسهل معها تسويقه بالمجتمع وتمنع نقده أو مناقشة آرائه أو حتى السؤال عن مستواه العلمي ومؤهلاته، وهذه الظاهرة برزت عندنا في الكويت وفي دول أخرى بشكل ملحوظ يلزم التصدي لها، فهي ليست ظاهرة مستحدثة بل لها جذورها في التاريخ الإسلامي، وهنا أسرد مثلا يختصر الكلام من غير ذكر اسم صاحب هذه الألقاب وسوف أرمز له بفلان، إذ ليست المسألة حول شخصيات معينة بل نقد لهذه الظاهرة التي تسببت في خلط الحابل بالنابل والعالم بالجاهل، ففي كتاب "الدرر الكامنة" الجزء 1 الصفحة 159، يذكر المؤلف ترجمة لأحد العلماء: (··· شيخنا، وسيدنا، وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى، شيخ التحقيق، السالك بمن اتبعه أحسن طريق، ذي الفضائل المتكاثرة، والحجج القاهرة، التي أقرت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة، ونفعنا به في الدنيا والآخرة، وهو الشيخ، الإمام، العالم، الرباني، والحبر، البحر، القطب، النوراني، إمام الأئمة، بركة الأمة، علامة العلماء، وإرث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين، شيخ الإسلام، حجة الأعلام، قدوة الأنام، برهان المتعلمين، قامع المبتدعين، سيف المناظرين، بحر العلوم، كنز المستفيدين، ترجمان القرآن، أعجوبة الزمان، فريد العصر والأوان، تقي الدين، إمام المسلمين، حجة الله على العالمين، اللاحق بالصالحين، والمشبه بالماضين، مفتي الفرق، ناصر الحق، علامة الهدى، عمدة الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، ركن الشريعة، ذو الفنون البديعة، أبو فلان ابن فلان)· بعد كل هذه الألقاب التي تفوقت على ألقاب الأنبياء والمرسلين، ليس غريبا أن يعترض الناس على من يريد توجيه النقد لهذا العالم أو ذاك حتى لو كان الناقد صاحب حجة مقنعة مستندة للقرآن والسنة والعقل والنقل تقنع الحجر والمدر، فهذه الألقاب ترعب من يريد التجرؤ بالنقد لرأي من ينصبون أنفسهم متحدثين باسم الإسلام دون وجه حق، فقد قرأت لقبا عجيبا لأحدهم وهو (الذي سبق من قبله وأتعب من بعده!) ولقب لآخر هو (زبدة الفقهاء والمحققين!) - الآن فقط عرفت أن للفقهاء زبدة - العلماء الحقيقيون المخلصون الواعون الذين قدموا أطروحات حضارية تساهم في رقي الإنسان يعترضون على مثل هذه الألقاب الرنانة، فالعالم نميزه عن المتعالم من خلال علمه وعمله وأطروحته وليس الألقاب التي ليست هي شهادة أكاديمية ترمز لمستوى علمي معين، بل ألقاب لا تغني ولا تسمن من جوع يصوغها المعجبون والمحبون لهذا أو ذاك، فنحن نجد كتب الشيخ محمد الغزالي المعروف بطرحه التجديدي، يضع اسمه ويسبقها بالشيخ أو الداعية فقط، ولقد جاؤوا للمفكر الشهيد محمد باقر الصدر بكتابه (فلسفتنا) وقد كتبوا قبل اسمه ألقابا وضعها المحبون له، فأخذ الكتاب وشطب كل الألقاب وترك فقط اسمه محمد باقر الصدر، وبهذا الفعل يريد أن يقول أن المعيار لمعرفة المستوى العلمي لأي شخص هو العلم والمعرفة والفكر الذي يقدمه للمجتمع، وإغلاق الدرب أمام المتعالمين الذين ينفخون أنفسهم بالألقاب ليصطادوا السذج من الناس الذين تبهرهم كثرة الألقاب، كما يقول الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد
machaki@taleea.com |