رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 22 شعبان 1425هـ - 6 أكتوبر 2004
العدد 1648

الدولة الفاشلة!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

برزت ظاهرة الدولة الفاشلة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين لتثير الاهتمام بين المهتمين والمختصين بالدراسات السياسية والاقتصادية، وقد انكب الكثير من الباحثين على دراسة هذه الظاهرة وتحليلها وتبيان العناصر الأساسية لها، كما أبرزوا نماذج كثيرة من الدول التي تقع في مجموعة الدول الفاشلة·· ولا شك أن المعايير المحددة للظاهرة أصبحت ملموسة في عدد من دول العالم الثالث ومن أهمها جمود الحياة السياسية وعدم القدرة على تحدي استحقاقات التطور، وهناك ظاهرة الديكتاتورية والاستبداد وكذلك ظاهرة التمرد والنشاط المعادي للسلطة دون التمكن من وضع حد لها، يضاف الى ذلك أن عدم قدرة السلطة السياسية في بلد ما على مواجهة المتطلبات المعيشية للسكان أو تطوير الأوضاع الاقتصادية تمثلان عنصرين من عناصر الدولة الفاشلة، ويمكن القول إن ظاهرة الدولة الفاشلة واكبت الكثير من الدول التي استقلت عن الحكم الاستعماري في النصف الثاني من القرن العشرين حيث لم تتمكن دول من تطوير آليات الحكم وإرساء أنظمة سياسية متوافقة مع مبادئ الحرية والديمقراطية وحكم القانون·· واجهت الأنظمة الحاكمة في الدولة حديثة الاستقلال مشكلات عدالة الحكم ونزاهة الإدارة وتحقيق التنمية المتوازنة في مختلف أنحاء البلاد بحيث تستفيد كل فئات وطبقات المجتمع من التطور الاقتصادي لكن ما حدث في تلك البلدان، أو على الأقل الكثير منها، هو تحول النظام السياسي الى نظام "أولغاركي" أي حكم النخبة باستبداد واضح وعزل للأطراف الأخرى في المجتمع وحرمانها من حقوقها السياسية والمدنية الاقتصادية ويعتمد النظام على تولي حزب واحد الحكم واستبعاد كل فئات العمل السياسي الأخرى، أو استيلاء مجموعة عسكرية على السلطة واحتكارها الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا·

ويذكر الأستاذ روبرت سي، روبترج في دراسة نشرت تحت عنوان "الطبيعة الجديدة لفشل الدولة القومية" ونشرت في مجلة واشنطن الفصلية Washington Quarterly في عدد الصيف لعام 2002 وترجمت في مجلة الثقافة الجديدة التي تصدر في الكويت (عدد مارس 2003) يذكر بأن "الدول الفاشلة تتسم بالتوتر والصراعات العميقة، كما تتسم بالخطورة وتموج بنزاعات شرسة من جانب الفصائل المتحاربة وربما يتبادر للذهن نموذج الصومال حسب هذا التوصيف الذي ذكره الباحث، وهي، لا شك، دولة قد فقدت الاستقرار منذ أكثر من خمسة عشر عاما ولم يعد بالإمكان اعتبارها دولة ذات كيان موحد في ظل التناقضات والنزعات الانفصالية التي تعاني منها، لكن الصومال ليست البلد الوحيد في هذا العالم الثالث التي عانت من عدم الاستقرار فقد كانت كمبوديا نموذجا للفشل حتى تدخلت الأمم المتحدة وأرسلت قواعد لإقامة نظام ديمقراطي يعتمد على آليات الشرعية الانتخابية مما أعاد للبلاد وحدتها واستقرارها ومكنها من مواجهة المتطلبات المعيشية للشعب الكمبودي·· يؤكد استقرار الأحداث وتواترها بأن نموذج الدولة الفاشلة يتعزز في ظل الحكومات الديكتاتورية المستبدة والتي تحول دون المشاركة الشعبية المشروعة في صناعة القرارات السياسية، وإذا عدنا لنموذجي الصومال وكمبوديا فإننا نجد أن الفوضى التي حلت في البلدين جاءت بعد أن عانى البلدان المذكوران من نظامين ديكتاتوريين لأمد طويل حيث اتسمت الحكومة في كل منهما بالمركزية والاستبداد وإلغاء كل الأطراف السياسية الأخرى، لذلك فإن عدم ارتياح البعض في البلدان العربية والنامية الأخرى من الجدل والحوار والمناقشات المستمرة حول مختلف القضايا ليس في محله حيث إن الديمقراطية والجدل الناتج عنها تعزز الاستقرار وتمنح مختلف الأطراف شعورا بالانتماء للعملية السياسية وإمكانية التأثير فيها، وبذلك يتعزز دور المجتمع في العمل السياسي·

وإذا كان لا بد من قراءة الدروس التاريخية بشأن الديكتاتورية والاستبداد فإننا نجد نماذج أخرى تعين على تشخيص أوضاع الدول العربية وكيفية تطور الحياة السياسية فيها، سواء نحو الفشل أو الاستقرار والنجاح·· عانت الجزائر في سنوات التسعينات، وربما حتى يومنا هذا، من الفوضى والتمرد الأصولي المتطرف وبرزت فيها ظاهرة العنف المسلح، لا بد أن تكون هناك أسباب موضوعية لما حدث! بعد استقلال الجزائر كان المتفائلون يتوقعون قيام حكم ديمقراطي متأثر بالحياة الساسية الأوروبية ولكن جاء نظام حكم ديكتاتوري متأثر بأنظمة الحكم المستبدة في العالم الثالث وأقام نظام الحزب الواحد واعتمد الاقتصاد الموجه بمركزية حادة خصوصا بعد انقلاب بومدين عام 1965، وعندما فشل النظام السياسي في تلبية مطالب المواطنين في "الأمن والتعليم والخدمات الصحية والفرص الاقتصادية والإشراف البيئي والإطار القانوني لتحقيق النظام القضائي اللازم لإدارة الإطار القانوني ومتطلبات البنية الأساسية مثل الطرق ووسائل المواصلات والتي يطلق عليها الباحث روبرت سي، روبترج في الدراسة التي أشرت إليها بالسلع السياسية عندما فشل في تحقيق تلك المطالب تراكمت الأزمات ودفعت عناصر مجتمعية كثيرة للتطرف والعنف، خصوصا تلك التي تأثرت بالأصولية الدينية والعنف القادم من أفغانستان، وهذا النموذج الذي ربما تمكنت الجزائر من التشافي منه بفعل التطور الديمقراطي النسبي الجاري هناك وعمليات مكافحة العنف والتطرف فإن بلدانا عربية كثيرة تواجهه، أوقد تواجهة في المستقبل··· هناك العراق الذي خرج من الديكتاتورية في العام الماضي ويعاني الآن من إرهاصات التحول نحو الديمقراطية في ظل التدخل الأجنبي، والذي لولاه لما تمكن العراقيون من التحرر من الديكتاتورية، ولا بد أن يشير المرء الى أن التراكمات في المجتمع العراقي، سياسية ومجتمعية ومعيشية، قد شوهت السلوك السياسي والاجتماعي لدرجة كبيرة مما يتطلب التعافي في ظل التدخل الدولي الحميد·

لا يعني ذلك أن العراق هو آخر الدول العربية التي عانت من فشل نظام الحكم فهناك بلدان عربية أخرى ما زالت تعاني من الديكتاتورية والاستبداد والفشل السياسي مما يتطلب من أنظمتها الانتباه مما قد يحدث ومعالجة الأمور قبل وقوع المحظور، من جانب آخر فإن متطلبات التغيير وحماية البلدان من الفوضى قد يعني صياغة أساليب للتدخل الدولي برعاية الأمم المتحدة وإرساء قواعد متوافق عليها من قبل الدول الكبرى لمواجهة احتمالات فشل الأنظمة السياسية تجاه واجباتها أمام شعوبها المضطهدة وإذا اعتمدت الأمم المتحدة الاهتمام الملائم لحقوق الشعوب بعيدا عن مفاهيم السيادة الخادعة فإننا يمكن أن نشهد تطورات إيجابية نحو تطوير الأنظمة باتجاه الديمقراطية وضمان احتياجات الشعوب على أسس واقعية خلال سنوات النصف الأول من القرن الحادي والعشرين·

tameemi@taleea.com

�����
   

أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟!:
عبداللطيف الدعيج
كولن باول·· رسالة قبل الاعتزال:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
البحرين·· في الاتجاه المعاكس!!:
سعاد المعجل
البطالة يا شاطر:
محمد جوهر حيات
نريد إصلاحا:
المحامي نايف بدر العتيبي
الفساد والمناعة الوطنية:
يحيى علامو
قد ولى عصر الكهوف:
محمد بو شهري
لن أتكلم(1):
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
الدولة الفاشلة!:
عامر ذياب التميمي
انهيار الكيان الصهيوني:
عبدالله عيسى الموسوي
ليس كل برتقالي برتقالا:
فيصل عبدالله عبدالنبي
رومانسية سياسية:
د. سامي عبدالعزيز المانع
مفارقات وتساؤل:
مسعود راشد العميري
ولتكن·· كلمة حق:
جابر العلاطي
تقنيات تدرأ الفساد:
عبدالحميد علي
وزيرة "قلة التربية" الإسرائيلية!:
رضي السماك