بينما يقتل العشرات يوميا من الشيعة في العراق، وتتعالى الصيحات المطالبة بفتوى من السيد السيستاني لبدء عملية الثأر من القتلة، يأتي الرد من السيد السيستاني بالرفض حتى لو قتل نصف شيعة العراق، لعدم الانجرار لحرب طائفية يمكن أن يختلط بها الحابل بالنابل ويذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، فالسيستاني يتبنى نهج هابيل عندما قال لقابيل "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" فبينما الزرقاوي ومن لف لفه يتبنون معسكر العنف وقتل الأبرياء، تجد المعسكر الإسلامي الذي يقوده السيستاني يتبنى سياسة اللاعنف والتسامح والمحبة والرحمة وتحكيم القانون في القصاص من القتلة·
يتكلم التكفيريون عن تقسيم العالم الى قسمين دار كفر ودار إسلام، ولكن الواقع يقول شيئا آخر، فالعالم كله أصبح قسمين، دار تعايش وتسامح وعدل وحرية وقانون، ودار إرهاب باسم الدين وقتل وترويع وانتهاك للقيم والأخلاق·
وأما في العالم الإسلامي فقد انقسم قسمين، فريق إسلام الخوارج بقيادة القاعدة وبن لادن وزرقاوي الذي يقف العالم بأسره بكل أديانه لمواجهته، وفريق الإسلام المحمدي الأصيل الذي أصبح أحد قادته اليوم السيد السيستاني بالعراق الذي جعل العالم يفرق بين الإسلاميين، فبينما يخرج جورج بوش في لقاء آخر ليثني على السيد السيستاني ويظهر احترامه لهذا الفقيه الطاعن بالسن والذي اتخذ قرارات حكيمة تقدمت بالعملية السياسية بالعراق للأمام وحقن دماء الناس، الأبرياء بقرارات مصيرية وفي مواقف محرجة وحساسة، فالسيستاني سار على نهج الأنبياء في تبنيه منهج العفو عند المقدرة، فهو الذي يستطيع بفتوى منه أن تقوم الغالبية من الشعب العراقي باكتساح مدن الأقلية التي تؤوي عناصر الإرهاب، ولكن السيستاني يريد أن يثبت دولة القانون في العراق الجديد، وأن يعاقب كل مجرم حسب القانون وليس ضمن لغة الفتاوى والانتقام والتصفيات·
فالسيستاني يقول للعراقيين من خلال مواقفه كما قال نبي الإسلام (ص) في بدايات الدعوة الإسلامية لآل ياسر: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)· فالعراقيون إن صبروا قليلا وضبطوا أنفسهم فسوف يقضون على الإرهاب لا محالة وسوف يكون العراق جنة للعراقيين من خلال دستور يحترم الإنسان ويضمن التطور والرقي، إن السيستاني يعلم أنه لو أفتى بفتوى تؤدي لحرب طائفية فإن هذه الحرب لن تكون حدودها العراق بل المنطقة والعالم الإسلامي ككل، فسوف يتحرك تنظيم القاعدة ضمن هذه الحرب ليبرر كل إرهابه وعملياته، ولذلك السيستاني فوت هذه الفرصة على الإرهابيين، ويعلم بنظرته المستقبلية أن الإرهاب سوف يختفي بالمستقبل القريب وسوف تتوسد دولة القانون وسوف يعيش الجميع بسلام، فهو استفاد من التاريخ ومن تجارب الآخرين وعرف كيف يعمل من خلال المعادلة الدولية الجديدة وخاصة عندما نعرف أن حوله من المستشارين السياسيين ممن لهم باع طويل في العمل السياسي والتخطيط الاستراتيجي، فهم يعلمون نتائج خطواتهم، فمواقف فقيه إسلامي كالسيستاني تجعل العالم يفرق بين المنهج الذي يتبناه السيستاني وبين المنهج الذي يتبناه الزرقاوي، ولذلك فالعالم اليوم لا يستطيع أن يتهم الإسلام عامة أنه مصدر الإرهاب بل سوف يفرق لا محالة بين المنهجين، وهكذا يفضح نهج التكفيريين أمام العالم بأنهم لا يمثلون الإسلام بل يمثلون منهج الخوارج التكفيري·
machaki@taleea.com |