الذي يمكن أن يثبت أو ينفي مدى توافر عامل الصدق أو الكذب لدى قيادة قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، هو أن يبدأ الأمريكيون بداية فورية وقوية وواسعة في تسليم كل الملفات العراقية الداخلية لأهل البيت العراقي أنفسهم، لأن "أهل مكة أدرى بشعابها"، ولأن ذلك سيكون اختبارا عمليا لمدى الكفاءة التي سيدير بها العراقيون الجدد دفة شؤون بلادهم·
وإذا لم يبدأ العراقيون القدامى الجدد - أي الذين جاؤوا بعد الحكم الصدامي المستبد - في إدارة شؤون العراق فورا، فإن ذلك يعد تواطؤا من قبل قوات الاحتلال مع الصداميين أحباب الأمس، لأن عدم تسريع عملية تسليم العراق لأهله، لا يمكن أن يكون لها معنى غير عدم الرغبة في المغادرة، أو "الرغبة" الأمريكية في عراق بقيادة جديدة، على أن لا تكون مستقرة، بدليل عدم الرغبة في جعلهم يكسبون الخبرة العملية في إدارة شؤون بلادهم·
فالأمريكيون إذا صدقت دعاواهم في أنهم يريدون عراقا ديمقراطيا حرا، يجب عليهم أن يوظفوا عامل الوقت الذي يسبق استلام العراقيين الشامل لقيادة بلادهم، في أمور يجب أن تتعود القيادة العراقية الجديدة عليها، بسبب حرمانها منها طيلة العقود السابقة، ألا وهي تكوين أجهزة أمن وجيش واستخبارات يمكنها أن تتصرف مع الصداميين بكفاءة مهنية رفيعة ودقيقة، لأن الصداميين يملكون خبرة واسعة وشبكة كبيرة من العناصر التي لا يهمها مستقبل البلد ولا أمن أبنائه، بقدر ما تهمهم اللقمة الحرام التي كان صدام يلقيها تحت رجليه ليركعوا أمامه آخذين لها·
وهنالك ملفات أخرى لا يبدو لنا من تأخيرها أي حسن نية من قبل الأمريكيين تجاه قضية صدقيتهم إزاء مسألة زعمهم بأنهم ينوون تسليم العراق المحتل لأهله، ومن أبرز تلك الملفات، عدم رغبة قوات الاحتلال الأمريكي في جعل العراقيين يستلمون وزارة إعلامهم، وتكوين إذاعة وتلفزيون عراقيين يكون لهما مطلق الحرية في التركيز على سوابق المجرم صدام وفتح "كل" الملفات العفنة التي سوف تطول أطرافا ربما لن يرتاح الأمريكيون من فتح ملفاتهم، مثل بعض السياسيين الأمريكيين السابقين، أو الحاليين، الذين صفقوا سابقا "لصديقهم" الذي أحرق إخواننا العراقيين من أبناء القومية الكردية في حلبجة المظلومة بالغازات التي يجب أن يعرف العالم من زوده بها·
الملفان الثقافي والتعليمي في العراق، "يجب" أن يكونا كذلك ملفين عراقيين حتى النخاع، فلا أحد يقول إن رغبات الأمريكيين الخاصة في هذا الشأن الثقافي، أو ذاك الأمر التعليمي، ينبغي على العراقيين أن يأخذوا بها قهرا وإجبارا، هذه هي الديمقراطية الحقيقية يا "حبايبنا الأمريكان" إذ ليس لائقا في الأعراف الدولية المحترمة - ولا نعرف عن الأعراف الدولية غير المحترمة - أن "تأمر" دولة ما دولة أخرى بالتعليم النافع أو الضار، إلا إذا أراد العراقيون الاستنصاح، وفي تلك الحالة أيضا أمامهم دول متقدمة كثيرة يحق للعراقيين الأخذ بتجاربها جميعا للاستفادة وخلق الرأي·
Good··!!
drjr@taleea.com |