رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 15 شعبان 1424هـ - 11 اكتوبر 2003
العدد 1598

التجنيس السياسي - تداعيات وآثار
عبد الهادى مرهون

نسبة إلى تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية في قضايا التجنيس في البحرين، فإن من المهم للسلطة التنفيذية وجميع المعنيين وفعاليات المجتمع أخذ المسؤولية المناطة بهذه اللجنة على محمل الجد، تبعاً لأهمية القضية التي نحن بصدد التحقيق فيها، خاصة وأن هذه القضية تتصل مباشرة بالكثير من الملفات الساخنة ذات الأبعاد السياسية في البحرين، ومن بينها ازدياد البطالة وتفاقم أعبائها وقضية التمييز بكل ما تمثله من ثقل اجتماعي ضاغط يجب النظر فيه بشكل سريع نتيجة الضيق الشعبي من بروز هذه المسألة التي نتج عنها المزيد من الفرقة والتشظي والتي لا نريدها في هذا الوطن، كذلك فإن الكثير من التداعيات الاجتماعية ومنها قضايا الإسكان وتراكم طلبات المراجعين وزيادة عددها ترتبط مباشرة بقضية التجنيس، وتزيد بدورها من معاناة الكثير من الأسر البحرينية نتيجة تراكم الطلبات سواء بالنسبة للقسائم أو للشقق أو المنازل، خاصة مع بروز ظاهرة منافسة المجنسين في الحصول على الخدمات وتوفر الكثير من الشواهد الدامغة لدى المواطنين أنهم - المجنسين - مفضلون عليهم في الخدمات لأنهم يعملون في مواقع أمنية معينة كالجيش والشرطة والحرس الوطني فيما لا يحظى المواطنون بهذا الشرف ويحرمون منه·

ومن هنا فإن مهمة لجنة التحقيق التي أقرها مجلس النواب في دور الانعقاد الأول يجب أن ينظر لها المعنيون بكل الجدية، وهي مناسبة لدعوة زملائنا في اللجنة إلى تحمل كامل المسؤولية في طرق وفتح جميع الملفات سواء بالنسبة للفترة من ديسمبر 2002 حتى الآن، أو حتى كامل الفترة الماضية منذ عام 1995 والتي تم فيها التجنيس على نطاق واسع·

نحن لن نتمكن من بحث مسألة التجنيس ونساعد على ضبط المشكلة  من دون معرفة وفهم جذورها من الناحية الموضوعية، والمسببات والأعداد التي تم تجنيسها، والغرض الذي تتم فيه ومن أجله على هذا النطاق الواسع في البحرين بالذات، حيث تتجاوز نسبة الكثافة السكانية 1200 فرد في الكيلومتر المربع الواحد وهي من أعلى الدول في العالم في هذا المجال بعد قطاع غزة وعلى النقيض من كل الدعوات التي يطلقها باستمرار المسؤولون الحكوميون والباحثون الأكاديميون والكتاب والصحافيون - من دون وجه حق - التي يدعون فيها الأسر البحرينية الى التوقف عن الإنجاب تحت ذريعة الحيلولة دون إضافة أعباء جديدة على التنمية الاقتصادية واستنزاف الموارد الوطنية في حين أن الحكومة تتوسع في عمليات التجنيس بالآلاف·

كما أنه من الضروري بحث المخاطر المحدقة بهوية الوطن والمواطن وسبل رزقه ومستقبل أجياله، ومن المهم في البحرين الاستفادة من تجارب الدول التي استمرأت تجنيس الأجانب، ومثال ذلك ما جرى في العراق في سبعينات القرن الماضي، ولبنان في الثمانينات وكلا البلدين الشقيقين تم فيهما التجنيس لأسباب سياسية إضافة الى بعض الدول الأخرى التي انتهجت ذات الأسلوب، وهي خير شاهد على ما يحدثه التغيير الديموغرافي القسري والسياسي من مآس في الأوطان مما يحدونا إلى عدم التعويل على أنماط من التفكير الحالم الذي يُفضي بنا إلى طرق مسدودة وخطرة، وعليه فلا يمكننا أن نشرع قوانين لفسيفساء مصطنعة بقوة الذراع والأهواء، فالناس والمجتمعات ليست معادن فلزية أو مواد كيميائية أو ألوانا طبيعية يمكن صهرها وإذابة عناصرها وقلب حابلها على نابلها، بل إن ذلك قد يُفسد الجزء والكل الذي سيؤدي لا محالة إلى حالة من الانشطار والتشطير المجتمعي والقِيَمي والعُرفي لا يهدأ أواره أبداً، لأن البشر لهم ما يميزهم عن الأشياء الأخرى من روح وأحاسيس وانتماءات ترابية متجذره واعتزاز سحيق بتراث الوطن الروحي الحي، كما أنه يعيش مناخا يتفهم معتقده وملامح كثيرة في شخصيتة وخصوصياته المتفرده، لذا فإنه لن يستطيع أن يتقبل أوزاناً زائدة عن حاجته الاقتصادية والطبيعية بل قد يعتبر من يتطفل عليه بتقمص مواطنيته بأنه كالمومياء التاريخية تقيم حواجز اجتماعية بين فئات الأمة أو أمماً بين أمة·

وفي أتون ذلك المعترك من التناقضات والإشكاليات فإن على السلطة التنفيذية وعلى الخصوص إدارة الهجرة والجوازات المعنية بهذا الموضوع أن تبدي استجابة وتعاوناً شفافاً في التعامل مع هذا الملف الحساس والمصيري وأن لا تضع أمام لجنة التحقيق البرلمانية العراقيل القانونية ولا الإدارية، فنحن جميعاً هدفنا الأسمى هو مصلحة الوطن قبل كل شيء، منطلقين في ذلك من مخاوف مرتبطة بمستقبل وحاضر هذا الوطن المعطاء، ويجب أن لا يشكل عمل لجنة التحقيق في التجنيس مخاوف لدى السلطة التنفيذية أو حتى بعض النواب، بل يتعين النظر إليها بمفهوم التعاون الإيجابي الملموس الذي يفضي إلى حلحلة الملفات العالقة، لأن بقاء هذه الملفات مفتوحة باستمرار ليس في مصلحة الوطن ولا المواطن·

ويبدو واضحاً الآن بعد مرور سنوات عدة أن عملية التجنيس التي تمت في الأعوام السابقة لعلاج آثار سياسية وإعادة ترتيب الوضع الديموغرافي ليست هي الحل، بل إن انعكاساتها بدأت تظهر بوضوح ويعاني منها الجميع في هذا الوطن أينما كانوا أو قطنوا، وكان ذلك الإخفاق في التوصيف لحجم ونوعية المشاكل والهموم من قبل أطراف في الحكومة قد خلط الأوراق مرة أخرى، وأصاب سلم الأولويات في رشده وجزأ المجزأ، وبات الاحتكام إلى آراء ذوي الحجا خيانة، ونصح الغيورين لصانعي القرار تطفلاً، كما أن من الضروري أن لا نجعل من الجنسية البحرينية موضعاً للمساومة الرخيصة بحيث تمنح لمعالجة إشكالات سياسية داخلية دونما دراسة للآثار السلبية والتداعيات المترتبة عليها، لأن ذلك التجنيس تسبب في خلق مجتمع متمايز وغير مترابط تتغير فيه سمات الهوية الوطنية لأبناء البلد، وأبلغ دليل على ذلك ما حدث في بعض مناطق البحرين التي يقطن فيها المجنسون من توتر بلغ حد الصدام فيما بينهم تم تناوله في وسائل الإعلام·

وفي الحقيقة إن استمرار الاعتماد على توظيف العسكريين الأجانب في السلك العسكري على الخصوص "الداخلية، الدفاع، الحرس الوطني" أصبح ظاهرة ترصدها حتى المنظمات الدولية من حيث كونها مظهراً من مظاهر التمييز لكون المواطن لا يمنح هذا الحق الذي يملكه الأجانب ويحرم منه ابن الوطن، علاوة على ما يثيره من تساؤل عن تطبيق الحق الدستوري في المادة (30) من دستور مملكة البحرين التي تنص على أن الدفاع عن الوطن واجب مقدس على كل مواطن·  فأين هذا الواجب؟  ولماذا لا يتاح لكل المواطنين؟ إن الوحدة الوطنية تبقي هي المطلب والغاية الرفيعة والسامية لأبناء المملكة جميعاً فهي الضامن الوحيد لتقدم وتطور وطننا العزيز·

ولذلك فعلينا صيانة وحدتنا ووطننا، فإن رقعة وطننا الصغير والنسبة الكبيرة التي يشغلها المواطنون والقاطنون قياساً بمساحته والتي تبلغ أكثر من 1200 فرد في الكيلو متر المربع قد جعلت البحرين من بين أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان في جميع أنحاء العالم، مما يضعنا في تناقض بين ما يدعو له بعض المسؤولين من ضرورة ضبط الأسرة والنسل بدواعي إتاحة فرصة أكبر للنمو الاقتصادي والحفاظ على مستوى الدخل وجودة الخدمات، ومن جهة مقابلة التوسع في استقدام وتجنيس الأجانب بدواع سياسية وديموغرافية مما يزيد أعباء التنمية ويضعف من مستوى وجودة الخدمات، خاصة وأنهم - المجنسين - لا يمثلون حاجة اجتماعية أو علمية ملحة، بل يشكلون عبئا على المجتمع لأنهم يستفيدون من جميع المزايا والخدمات ولا يضيفون له شيئاً ذا قيمة، لعدم امتلاك معظمهم المؤهلات العلمية والخبرات التي تجعل منهم منتجين ويسهمون في تقدم وبناء هذه المملكة·

إن شعب البحرين أصيل لا ينكر من أسهم في خدمة هذا الوطن بما يملك من شعور إنساني فياض وبما يملك من خصال الكرم العربي الأصيل، لذلك فإن التجنيس ضمن القانون لن يثير الريبة، فالعربي خاصة المؤهل والذي يملك الكفاءة وتنطبق عليه شروط التجنيس التي أقرها القانون له الحق في الجنسية إذا عاش في البحرين 15 عاماً وللأجانب إذا مكثوا 25 عاماً وذلك لا ينطبق على السواد الأعظم منهم، لفقدانهم واحدا من أهم الشروط القانونية الأساسية وهو ضرورة إجادتهم للغة الوطن وهي العربية بكل تأكيد، لكننا ضد التجنيس لاعتبارات سياسية أو ديموغرافية من شأنها الإخلال بالوحدة الوطنية والإسهام في تقليل فرص وحقوق المواطن الاقتصادية وإقلاق أمنه السياسي والاجتماعي·

إن الرغبة التي تقدمنا بها لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في التجنيس ستضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا الوطنية للتأكيد على جديتنا في كيفية التعامل مع هذا الملف الذي يرتبط بالحفاظ على الهوية الوطنية، ومن هذا المنطلق أدعو السلطة التنفيذية لإبداء كل التعاون مع اللجنة للوصول إلى حقيقة هذا الملف الذي كان سبباً مباشراً في زيادة أرقام البطالة وارتفاع معدلات الجرائم واكتظاظ المدارس وتهديد أمن المجتمع، على أن حل هذه المعضلة يبقى مسؤولية الجميع وليس النواب وحدهم، أو لجنة التجنيس وحدها، وإنما يتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات - وفي طليعتهم السلطة التنفيذية - المعنية والمختصة إضافة إلى المجتمع المدني والفاعليات السياسية لكي تؤطر جهودها في بوتقة واحدة يكون هدفها الأول والأخير المصلحة الوطنية العليا·

üالنائب الأول لرئيس مجلس النواب - البحرين

mhadi1122@hotmail.com

�����
   

استراتيجية التطوير البرلماني: دعم النواب
الأعضاء الجدد بحاجة إلى معرفة برامج وإجراءات ونظم المجلس وتقاليد العمل البرلماني (1):
د· علي الصاوي
إدوارد سعيد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
من يفتح النافذة في جامعة الكويت؟:
سعاد المعجل
إنسانية مكاتب العمالة المنزلية:
يحيى الربيعان
تحديات السلام!:
عامر ذياب التميمي
التجنيس السياسي - تداعيات وآثار:
عبد الهادى مرهون
هل المثقـف الكـويتي معزول عما يـدور حوله؟
Ivory tower Syndrome!:
خالد عايد الجنفاوي
ضحية المواقف المشرفة:
عبدالله عيسى الموسوي
ما السلطة الخامسة في العراق؟!:
حميد المالكي
تسريع عملية تسليم السلطات للعراقيين:
د. جلال محمد آل رشيد