رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 ذو القعدة 1425هـ - 29 ديسمبر 2004
العدد 1659

من البحرين إلى المنفى(2-3)
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

الرجال العظام هم الذين يصنعون التاريخ ويقهرون الظروف الصعبة ويجيرونها لصالحهم، فالقادة الأفذاذ لا يجود بهم الزمان كثيراً، ولو كانت الظروف هي التي تصنع الرجال العظام لامتلأت بهم حياتنا، لسوء واقعنا، ولحاجته إلى من يغيره، وعبدالرحمن الباكر كان من أولئك الرجال الذين بقيت بصماتهم واضحة في تاريخ مجتمعه وفي ذاكرة أبنائه·

ولد عبدالرحمن الباكر في البحرين في العام 1917 ودرس في مدرسة الهداية بالمنامة، وطرد منها لتزعمه في صباه حركة مناوئة لتسلم الإنجليز شؤون المدرسة، وينتمي الباكر إلى أسرة امتهنت تجارة اللؤلؤ، وهذه الأسرة كغيرها تعرضت لخسائر فادحة إثر تدهور تلك المهنة إثر اكتشاف اللؤلو الصناعي في ثلاثينات القرن الماضي، فاضطرت أسرته في العام 1933 إلى العودة إلى قطر "موطن الآباء والأجداد - كما يكتب· لم يجد الباكر ضالته في قطر لصعوبة أوضاعها وهو شاب يافع يمتلىء نشاطا، فتوجه إلى دبي وامتهن تجارة اللؤلؤ، بيد أن النشاط السياسي كان يستهويه ويشده فأصدر مع شلة من شبابها وشباب الشارقة نشرة يومية أسموها "صوت العصافير" كانوا يكتبونا باليد وكانوا يتناولون بها الأوضاع المحلية بالنقد فضلاً عن انتقادهم للاستعمار البريطاني·

ولم يستقر الباكر في دبي طويلا إذ تركها في العام 1934 متوجها إلى شرق إفريقيا بحثا عن الرزق وفرص أفضل، وقد تبسم له الحظ فكسب من صفقتين كانت إحداهما مع التاجر الكويتي عبدالوهاب القطامي مبلغ خمسة وعشرين ألف روبية من رأسماله المتواضع الذي بدأ به وهو تسعمئة روبية، ثم طفق عائدا من زنجبار متوقفا في مقاديشو ومتوجها إلى المكلا والشحر: بائعا وشاريا ومحققا أرباحا معتدلة· لكن التوفيق لم يكن محالفا له هذه المرة، إذ ضربت عاصفة هوجاء سفينته فظل هو وبحارته يصارعون الأمواج وقد تحطمت صاريتهم عشرة أيام أشرفوا فيها على الغرق ليصلوا أخيرا إلى مسقط·

واتخذ الباكر مطرحاً - وهي ملاصقة لمسقط  - مركزا لنشاطه التجاري، وأخذ يزاول التجارة بينها وبين ساحل الباطنة والجبل الأخضر، وفي مطرح يقول الباكر: "أخذت أدرس أحوالها وأختلط بشبابها ومعظمهم من الجالية الهندية (الحيدر أبادية) وينتمون إلى طائفة الشيعة، وقد أرشدتهم إلى تأسيس ناد أدبي رياضي، وكتبت لهم القانون الأساسي وأشرفت على انتخابات أول مجلس إداري للنادي، وأعطيتهم كل الكتب التي كانت معي وهي كتب قيمة مثل الكامل للمبرد، والأمالي للقالي، وألفية ابن مالك لابن عقيل، وحديث الأربعاء للدكتور طه حسين، وبين الكتب والحياة للعقاد، وشعراء العراق المعاصرون لرفائيل بطي، وغيرها من أمهات الكتب التي لا أذكرها وكانت حوالي خمسة وعشرين كتاباً"·

زاد حنين الباكر لأمه وبلده بعد أن أمضى في عمان ستة أشهر، فعزم الرحيل واشترى برأسماله الذي جمعه في عمان (عشرة آلاف روبية) اللومي العماني والجندل والتنباك ليبيعها في طريق عودته في دبي، إلا أن حظه كان عاثراً فلم يستطع تصريف تلك البضاعة، وهكذا - يكتب الباكر بحسرة - "رجعت من تلك السفرة المضنية الشاقة وكفاح عام كامل ما بين دبي وإفريقيا صفر اليدين"· ضاقت به قطر بما رحبت فغادرها في العام 1936 إلى البحرين وعمل في شركة نفط البحرين فراشا براتب وقدره خمسا وأربعين روبية شهريا تضاعف هذا المبلغ لإلمامه باللغة الإنجليزية، لكن قدر لهذا "الفراش" أن يلعب دورا قياديا وطنيا يليق بقدراته الفردية وبمشاعره الصادقة، فأسس في الشركة ناديا رياضيا وأدبيا مع نخبة من الشبان، وقد لعب هذا النادي دورا فعالا فيما بعد ونظم الحركة العمالية في العام 1938، وبعد ثمانية أشهر اضطر للرجوع إلى قطر وعمل فيها في شركة النفط إلى أن عطلت أعمالها مع بداية الحرب العالمية الثانية في العام 1941·

انتقل الباكر مرة أخرى إلى دبي ليلتحق بأبيه ويعمل في التجارة، وسرعان ما كون ثروة تقدر بخمسة وسبعين ألف روبية، نزح بعدها إلى شرق إفريقيا، وفي تلك الأثناء والحرب العالمية على أشدها، طلق الباكر السفن الشراعية طلاقا بائنا وأخذ بالتنقل بالطائرة: من البحرين إلى القاهرة إلى نيروبي وغيرها· ومكث الباكر في شرق إفريقيا حتى العام 1948 - يقول الباكر - "وقد دار دولاب الزمن على كثير من المتخمين إبان الحرب وواصلوا مغامراتهم فأصيبوا بالنكبة، أما الذين ارتضوا بالغنيمة فبقوا محافظين على ثرواتهم، وكنت من الذين فقدوا كل شيء ما عدا النزر اليسير"·

وهكذا عاد الباكر إلى البحرين في العام 1948 بخفي حنين، وفيها استرجع جوازه البحراني وبدأ نشاطه السياسي المكثف وللحديث صلة·

 

alyusefi@taleea.com

�����
   

قمة الجسور الخليجية:
سعاد المعجل
صرامة القانون في الحرب والسلم:
محمد بو شهري
ثوابت الأمة!:
فهد راشد المطيري
مضمون كنسي:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
متاهات الحوار:
عامر ذياب التميمي
وزارات السيادة الدينية:
مسعود راشد العميري
من البحرين إلى المنفى(2-3):
د. محمد حسين اليوسفي
الإرهاب يواجه بالمقاومة:
عبدالله عيسى الموسوي
"أبو الحسن ورحيل الشجعان":
د. سامي عبدالعزيز المانع
هكذا شعب يستحق هكذا برلماناً:
فيصل عبدالله عبدالنبي
وعفا الله عما سلف
حقيقة اختراق الشبكة:
عبدالحميد علي
انتهازيون لا عهد لهم ولا ميثاق:
يوسف مبارك المباركي
فقدان النصاب "المقصود":
د.عبدالمحسن يوسف جمال
فرنسا و"المنار":
رضي السماك