رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 شعبان 1426هـ - 21 سبمتبر 2005
العدد 1696

حرب إيران في ذاكرة العراقيين
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

تمر هذه الأيام ذكرى مرور ربع قرن على بدء الحرب العراقية الإيرانية، تلك الحرب التي بدأت رسمياً في الثاني والعشرين من سبتمبر 1980، لتمتد على مدى ثمانية أعوام تقريباً، ولتضع أوزارها في العشرين من أغسطس 1988· ورغم انقضاء سنوات عديدة على توقفها، إلا إن الشارع العراقي لم يزل غير متفق على تقييمها بالذات فيما يتعلق بأسبابها والبادئ بها والملام على استمرارها، وإن أجمع على أهوالها ومآسيها التي طالت كل بيت عراقي· وقد خصص موقع (البي بي سي) على شبكة الإنترنت - بهذه المناسبة - مساحة للتعليق على تلك الحرب من  قبل أولئك الذين اصطلوا بنارها، وجدنا فيما كتب هؤلاء صورة لما يدور في الذاكرة العراقية عن تلك الحرب، وما تعكسه آراؤهم من تباين شديد حول النظر إلى حدث تاريخي مأساوي عايشوه، مرآة لما يجرى على الساحة السياسية حالياً من فقدان لثوابت معينة يتوافق عليها الجميع  تمثل عنصراً ضرورياً لبناء العراق الحديث·

يعتقد الكثير من العراقيين جازمين أن نظام صدام حسين هو البادئ بالحرب، فيكتب محمد الخفاجي من بابل أن "البعث وصدام هما سبب بدء الحرب حين مزق صدام اتفاقية الجزائر التي سبق أن وقعها مع الشاه في 1975"· ويقول رافد أحمد ويسكن كندا حالياً: "كنت في الجيش العراقي منذ بداية الحرب إلى ما بعد انتهائها، وشاهدت %75 من أهوالها ومصائبها التي جلبها صدام الأرعن على الشعبين العراقي والإيراني والتي يشيب لها الولدان"!!  ولسان حال هؤلاء البغدادي علي السكيني الذي يقرر: "نحن في العراق، كل العراق: أرضاً وزرعاً وطفلاً وشيخاً وأباً وشباباً وفتياناً قاتلنا بلا سبب سوى أننا نفذنا أمراً لو رفضناه لقطعت رؤوسنا، ولو قبلناه لأصبحنا في نظر الطاغية وأنصاره وطنيين"· ويحاول أحمد إبراهيم من البصرة أن يعطي تفسيراً للحرب فيركز على أنه "بعد وصول الخميني للسلطة جن جنون صدام والعبثيين خوفاً من تأثير ذلك على شيعة العراق وإمكانية أن يتحركوا ضده· وبدأ صدام حرباً لإنهاك الخميني من جهة ولتأديب شيعة العراق عن طريق قمعهم أكثر وسلب حقوقهم من جهة أخرى"·

وبنفس القوة، يرى الفريق المقابل أن النظام الإيراني الوليد هو الذي أشعل شرارة الحرب· "فنحن في البصرة - يؤكد أحمد حسن عباس - نعلم علم اليقين كيف بدأت إيران حربها ضد العراق، بدءاً من التصريحات إلى الاعتداء على السفن والمراكب في شط العرب والقصف المدفعي"· أما عبد العزيز الطائي من الموصل فيرى أن "الحرب كانت على حق لصد التطلعات الإيرانية نحو تصدير ثورتها الإسلامية وضد الغزو الفارسي"· ونجد صدى هذا التحليل عند أحمد موسى جعفر الحسني من بغداد الذي ينأي بنفسه ابتداءً من الدفاع عن صدام ومن تبرئته من "جرائمه ضد إخواني الشيعة" - كما يكتب - "ولكن تلك الحرب ما كانت حرباً دينية أو طائفية بل كانت حرباً قومية، حرب العراق وهو يدافع عن ترابه ضد من حاول تصدير الثورة إليه وضمه من جديد إلى بلد آخر·" هذه الحرب هي التي أبقت العراق قائماً كدولة مستقلة بنظر محمد على الشمري من الكوت، إذ " لولا الوقفة البطولية التي وقفها الأشراف والأخيار من أبناء الشعب العراقي العظيم وهم يصدون الرياح الصفراء القادمة من قم وطهران لما كان هناك اليوم بلد يدعى العراق"· ويتساءل من على بعد من يطلق على نفسه أياد العراقي المستوطن في أستراليا: "ذهب صدام ولا زالت إيران تتدخل في شؤون العراق الداخلية كما كانت تدعم حزب الدعوة وقوات بدر· ألا يثبت هذا أن إيران هي من كانت السبب في هذه الحرب؟؟"

وتأخذ "نظرية المؤامرة" حيزاً مهماً في العقل العراقي في تفسير تلك الحرب  كما تظهره تعليقات من ساهموا في موقع البي بي سي المذكور· فنشوان الهاشمي من بغداد الذي خدم خمس سنوات خلال تلك الحرب لا حظ - كما يدعي - بأن "أكثر من %90 من العراقيين يعتقدون أن صدام حارب إيران بدفع من الولايات المتحدة وأوروبا ونيابة عن دول الخليج"· ويرى علي حنون من بغداد أنها كانت حرباً بين "دول الخليج وبين إيران أقحم صدام العراق فيها قسراً"· أما هالة العاني وهي من سكان الإمارات  فتعتقد  أن الحرب "مخطط أميركي صهيوني، والأدوات صدام والخميني، والضحايا العراقيون والإيرانيون"· والشطط الفكري بتوظيف نظرية المؤامرة يأخذ أقصى مدىً له عند عبد الحسين الكلابي من كربلاء، وهو الذي قضى زهرة شبابه في أتون تلك الحرب والتي أقنعته أخيراً "أن حكام العراق وإيران مجموعة من المجرمين اتفقوا على تصفية العنصر العربي الشيعي كتكملة للمخطط التركي القديم الذي سلم الأحواز لإيران مقابل السليمانية الكردية"· كانت الحرب - يضيف الكلابي - "مؤامرة الهدف منها تثبيت النظام الإيراني بإشعال حرب خارجية عليه ليلتف الشعب حول قيادته، وثانيها، إضعاف العنصر العربي الشيعي سواء في إيران أو في العراق"·!!

وما يفرح القلب أن يجد المرء أن في عقول كثير من العراقيين اعتقادا راسخا بأن الحرب الطويلة بين البلدين الجارين كانت حرباً بين نظامين وليس بين شعبين، وأنها كانت حرباً عبثية ذهب ضحيتها الآلاف المؤلفة من الضحايا من الشعبين دون داعٍ أو مبرر، وهي في النهاية لم تحقق شيئاً، إذ خرج النظامان قويان، وعاد الوضع كما كان عليه قبل اندلاع الحرب· يقول أمجد الخالدي من البصرة "ما زلنا كعراقيين وإيرانيين نجهل حتى الآن سبب هذه الحرب! فلقد عادت الدولتان بعد حرب طاحنة دامت ثماني سنوات مرة وقاسية إلى حدود اتفاقية الجزائر سواء بما يخص الحدود البرية أو البحرية أو فيما يخص شط العرب"·!!

لا أجد أبلغ  مما كتبه العراقي أبو جوامير (هكذا بالأصل وربما تكون في اللهجة العراقية جمعاً لجمرة) الذي يعبر عن مشاعر قطاع واسع عايشت (أنا كاتب هذه السطور) بعض أفراده حينما كنت أسيراً في الرمادي في العام 1991· يقول: "حين أدركت أني سأذهب إلى المدرسة اندلعت الحرب· كانوا يقولون سوف لن تكون عسكرياً لأن الحرب ستنتهي قبل ذلك· وأصبحت شاباً وعانينا ما عانى منه شعب العراق الأبي من ذل وهوان· وانتهت الحرب وتنفسنا الصعداء إلى أن دخلنا في الحرب الثانية "حرب الكويت"· وبدأت الرحلة الجامعية، وقلنا سوف تنتهي ولن أكون عسكرياً· ولكن لا مفر سأكون عسكرياً شئت أم أبيت· تزوجت وقبل ثلاثة أيام من سقوط النظام الدكتاتوري ولد ابني وقلت في نفسي: سوف لن أقول لك "لن تكون عسكرياً كي لا تحل اللعنة التي حلت على والدك والشعب العراقي الأبي"·!!

alyusefi@taleea.com

�����
   

..وتنوعت التأويلات!:
أحمد حسين
إصلاح الأمم المتحدة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عقدة الذنب!!:
سعاد المعجل
تجنيس بالواسطة:
صلاح الفضلي
حوار مع الذات(3):
فهد راشد المطيري
حل دستوري:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تونس وتحدياتها!:
عامر ذياب التميمي
حرب إيران في ذاكرة العراقيين:
د. محمد حسين اليوسفي
الدستور الأوسطي الجديد:
يحيى علامو
فلنحافظ على حرارة الأرض!:
قاسم حسين عوضü
تساؤلات وخواطر حول الانتخابات النيابية المقبلة:
مسعود راشد العميري
الوفاق الاجتماعي:
علي غلوم محمد
الزرقاوي والبدعة الكبرى:
عبدالخالق ملا جمعة
محطات إسرائيلية:
عبدالله عيسى الموسوي
أفضل قانون يحمي العراق من الإرهاب:
فيصل عبدالله عبدالنبي
مات ولم يتحقق حلمه:
المحامي نايف بدر العتيبي