القول بأن إعصار كاترينا هو غضب من الله يحمل تعديا على حدود الله·· وإعمالا منحرفا لمغزى الثواب والعقاب ودلالاته!! ثم إذا كان ذلك البعض المتطرف في رؤيته وفي حكمه يصر على أن كارثة إعصار كاترينا هي غضب إلهي بسبب معاص دنيوية!! فإن الأجدر بمثل هذا الغضب أن يحل علينا، نحن أمة الإسلام والعرب، التي عبثت بأصول الدين وسيسته بصورة تكاد تفرغه من أهدافه السامية ومبادئه الجميلة!!
المتضررون من إعصار كاترينا هم في غالبيتهم من الفقراء المعدمين الذين لا يملكون حتى الوسائل التي تنقلهم من موقع الكارثة، وتحميهم من أهوالها!! فهم من الفئة التي نصرتها كل الأديان وحاربت معها!!
لكنها ثقافة جلد الذات، أو ثقافة الذنب التي ابتلانا بها بعض أصحاب الفكر المتطرف والتشاؤمي!! تلك الثقافة التي لا تتوقف عن تشويش ذهن الشباب وتكبيله بالذنوب بصورة تجعله يغفل عن حقيقة أن الله محبة وسلام ورحمة، ولطيف بالعباد، وأنه ليس جبارا وقويا فقط!!
عند مدخل جامعة الكويت في الشويخ، ترتفع لافتة ضخمة تحذر الشباب من مغبة العصيان، وبصورة ترسخ لديهم عقدة الذنب التي لا يقابلها وبكل أسف في أدبيات ذلك الفكر المتطرف، الوجه الآخر للدين وللعقيدة!! تقول اللافتة ما يلي:
"ذنوب + توبة = مغفرة"!! ونحن هنا لا ننكر أهمية الابتعاد عن الذنوب، أو ضرورة التوبة حين يأتي أحدنا بذنب!! وإنما هو في الأسلوب الذي اختزل جوهر الإيمان والعقيدة بهذه الصورة من المعادلة الحسابية الجافة!! وهي تذكرني بالإعلانات "الدينية" المنتشرة في المستشفيات والمستوصفات، والتي "تسعّر" ذكر الله، والاستعاذة من الشيطان، وقراءة السور الصغيرة، بصورة تجعل العلاقة بين المخلوق والخالق علاقة حسابية بحتة!!
بعض تلك الإعلانات تقول على سبيل المثال: "في خمس دقائق، وأنت تنتظر دورك، تستطيع أن تكسب عدد كذا وكذا من الحسنات حين تقرأ المعوذات مثلا" ثم يستطرد الإعلان في "تسعير" كل دعوة وكل آية وذلك من خلال جدول أشبه بجداول المحاسبين!!
العلاقة بين المخلوق والخالق، هي بلا شك علاقة أكثر دفئا وطمأنينة وخصوصية من جداول الحسنات تلك!! ناهيك عن القول بأن الدين ترغيب لا ترهيب!!
فهو ما استقر في القلب وصدّقه اللسان!! إن ترسيخ عقدة الذنب بهذه الصورة، لا يمكن أن تخلق إنسانا سويا أو مطمئنا أو واثقا من نفسه ومن أدائه!! وإنما على العكس من ذلك تماما!! فهي تؤدي الى تحفيز الذعر والخوف في النفس البشرية وبصورة قد تنعكس سلبا على شخصية الفرد وأدائه، بل ومساهمته في مجتمعه!!
يقول علماء النفس، إن الإنسان يولد بلا عقدة ذنب، وإن المحيط الاجتماعي هو الذي يزرع تلك العقدة ويرسخها في نفس الإنسان ووعيه!! وقد استطاعت المجتمعات الغربية أن تتحكم بعض الشيء في تلك النزعة، وهو أمر قد عزز ولا شك من مناخ الحريات بكل أشكالها في تلك المجتمعات!! بعكس مجتمعاتنا العربية والإسلامية حيث لا تزال عقدة الذنب هي المحرك الأول لكل أفعالنا، وأحكامنا، فلا عجب إذا ما أصر البعض على أن "إعصار كاترينا" هو عقاب من الرب!!
suad.m@taleea.com |