قام أحد علماء النفس بإجراء تجربة ميدانية ليوضح على ضوئها درجة القوة التي يملكها رجل الدولة أو الحكومة أو المسؤول الرسمي بشكل عام!! في هذه التجربة يقوم الباحث وهو بلباس مدني بدعوة الناس في الشارع للابتعاد عن محطة الباص· ثم يعيد الشيء نفسه وهو بلباس رسمي كحارس أمني أو مسؤول شرطة!! وقد كانت النتيجة أن قليلا جدا من الناس استجابوا لأوامر الباحث وهو في اللباس المدني، بينما انصاع كل الناس تقريبا لأوامره وهو مرتدٍ الزي الرسمي· ويفسر الباحث ذلك بأن الناس عادة ما تصغي لأوامر صادرة من جهة مسؤولة حتى لو كان ذلك في الزي فقط ومن دون أي إثبات هوية أو مقر مثلا· نفوذ أو سلطة الجهات الرسمية هي أمر واقع في كل المجمعات البشرية وبغض النظر عن أنظمتها السياسية· فالجهات الرسمية عادة كالحكومات ومؤسسات النظام السياسي هي التي تملك سلطة العقاب، وهي التي بيدها سن القوانين وتطبيقها، وبالتالي فإن بيدها وحدها حماية المجتمع من الخارجين عن قوانينه ونظمه·
(الصحوة) الحكومية التي سادت المناخ الكويتي مؤخرا، وأعادت النصاب للعديد من المسائل المائلة والعرجاء، هي (الصحوة) غريبة، أفاقت المواطنين ونبهتهم الى دور الحكومة، وقوتها ونفوذها في متابعة تطبيق القوانين·
وهو الدور الذي طال انتظاره الى حد كان سافرا في بعض مشاهده، ولعل المواطن لا يزال يتذكر امتناع الحكومة عن البت في قضايا فساد وتجاوز للقوانين كانت واضحة وضوح الشمس، كقضية اختلاسات الناقلات، والاستثمارات، وقضايا العبث بالمال العام، كالوسيلة، ولآلىء الخيران، وأيضا تزوير إرادة المواطن في انتخابات مجلس الأمة، وغيرها الكثير الكثير، مما لا يبيح لنا حجم المقال ها سرده وتفصيله· في غمرة البهجة التي عبر عنها بعض المواطنين لعودة الوعي والقوة الى يد الحكومة، يجب علينا أن لا ننسى الدور الرائد لديوان المحاسبة في الإصرار على تتبع المخالفات، وسردها!! خاصة أنه - أي ديوان المحاسبة - أصبح (بعبعاً) يخشاه المخالفون الذين دائما ما حاولوا التشكيك في دوره وتقليص دوره الرقابي·
الهاجس الذي لا زال عالقا·· هو تخوف المواطن - والذي هو تخوف منطقي جدا ترسخه تجارب سابقة - من انتكاسة في وعي الحكومة لدورها ولنفوذها وقوتها، تحت ضربات محتملة لأصحاب نفوذ وسلطة طالما اقتاتوا على ضعف جهاز الحكومة وتخاذلها عن بسط يد القوة والقانون·
للقوة (Power) منابع كثيرة، أحدها مثلا قوة الصحافة، لكن لا يمكن أن تحتل أحدها مكان الأخرى، فالصحافة مهما بلغ نفوذها لا يمكن أن تتجاوز نفوذ السلطة في تطبيق القوانين، وسن العقوبات، وإن كنا لا ننكر هنا دور الصحافة في تغذية الوعي، فالصحافة الكويتية لم تتوقف يوما عن إبراز معالم ومشاهد الفساد، والمخالفات والتجاوزات، لكن دورها يتوقف هنا إلى أن اقتنعت الحكومة وأدركت أن عليها إحياء دورها ونفوذها الغائب أوالمغيب، وممارسة قوتها بطريقة صحيحة، نتمنى ألا تكون مجرد نزوة عابرة فرضتها ظروف مرحلية موقتة·
suad.m@taleea.com |