رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

كلام في المونديال
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

انتهى للتو مونديال كرة القدم الذي اقيم في ألمانيا، ومهما تختلف الآراء حول الاحتفاء منقطع النظير بهذه اللعبة الشعبية العالمية العريقة، فإنها من غير شك هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم التي تستهوي أفئدة الناس في القارات كلها· وهي لعبة تقع في صميم الرياضة البدنية التي تنمي الأجسام والعقول، ولذا كان من الطبيعي أن تهتم أمم الأرض بهذه اللعبة وتعد الفرق الرياضية المدربة على مدار العام لخوض المباريات الممتعة التي تجعل المشاهدين من عشاق الكرة يقفون مشدودين وقتاً طويلاً في مدرجات الملاعب وأمام شاشات التلفزيون·

وقد يلاحظ بعض المراقبين من التربويين وعلماء الاجتماع وربما بعض المشتغلين بالإصلاح والتوعية والتوجيه وربما بعض السياسيين أن ثمة جوانب سلبية في تعلق الشباب بهذه اللعبة الشعبية، لدرجة أنهم يكادون ينسون ما عداها فقد تؤثر على تحصيلهم العلمي والأكاديمي وقد تصرفهم بقصد أو دون قصد عن الاهتمام بالشأن العام ومتابعة قضايا المجتمع والوطن والأمة، وتجعل وعيهم محصوراً في دائرة هذه اللعبة: مبادئها وتاريخها وأشهر لاعبيها وعدد دوراتها، وتغيب عنهم الأمور الجوهرية التي يجب أن يعنى بها الشباب، ومن أحق من الشباب اهتماماً وعناية بشؤون وطنهم وقضايا أمتهم؟ ويبدو الكلام أشد خصوصية حين يكون الكلام عن شباب العرب والمسلمين الذين تجابه أمتهم التحديات الجسيمة ويبدو مستقبلهم مهدداً أمام أعينهم من كيد المتربصين وطمع الطامعين·

ولا يشك ذو عقل في أن هذه التحفظات منطقية ولها ما يسوغها، ولا سيما حين ينساق الشباب انسياقاً وراء هذه اللعبة على حساب الوعي والثقافة والنظرة البعيدة والأفق الواسع، خاصة إذا كان سلوك بعض هؤلاء الشباب يخالف الروح الرياضية التي تبنى عليها الرياضة برمتها، ويسير في دروب التعصب الأعمى وضيق الأفق الذي يعمي ويُصم· على أن هذه التحفظات وتلك الملاحظات ينبغي ألا تصرفنا عن إيجابيات هذه الرياضة الممتعة المفيدة، ففيها صحة البدن ونشاط الذهن والتحلي بالروح الموضوعية، وهي قادرة أيضاً على نشر الروح الرياضية في المجتمع كله، دون أن يقتصر ذلك على مجموعة محدودة من الأفراد الذين يشكلون الفرق الرياضية في كل مكان·

ويقتضينا المنطق في هذا المجال أن نشير إلى المهام الجسام الملقاة على عاتق المربين والمصلحين والمنظرين وعلماء الاجتماع؛ فليس من المعقول أن نعمم الظواهر السلبية أو النتائج غير المرضية على مثل هذه اللعبة الشعبية العريقة، إذ لا بد من قيام المدرسة منذ النشأة الأولى بتعليم الأطفال أن الرياضة تصب في مصلحة المواطن والوطن، تسهم في حفظ عقله وبدنه، وتسهم في الانتماء إلى الوطن والأمة وتقيم علاقة إنسانية نبيلة مع الناس من كل الأجناس والعقائد والألوان، دون حقد ولا غل، بل هي الرياضة التي تسمو بالروح وترقق الشعور وتصقل الوجدان، الرياضة الحقيقية هي التي تنشر المحبة والموضوعية وتعمق الانتماء إلى القيم الأصيلة وتقوي روح الانتماء، وليس من الرياضة في شيء هذا التعصب المقيت أو هذا التحيز الأعمى أو التمييز الذي يتنكر لكل الثوابت والقيم الإنسانية· وليس من الرياضة في شيء هذه الهتافات التي تسيء إلى الأوطان والأعراق والأديان والمذاهب، وتثير النعرات وتباعد أكثر مما تقرب وتهدم أكثر مما تبني وتملأ القلوب بالإحن والضغائن والبغضاء أكثر من جمعها على المحبة والنقاء وتصفيتها من شوائب النزوات والمصالح·

إن الرياضة الحقة هي التي تصقل الشخصية وتزيد في تهذيبها وشفافيتها، لأنها ليست البديل السلبي للأخلاق الحميدة والتربية والتهذيب والعلم والثقافة· وما نلحظه أحياناً من وجود ثنائية بين الرياضة والثقافة ما هو إلا قفز فوق الحق والواقع، وليس من المطلوب ترسيخ هذا الفهم الخاطئ، بل الأصح أنه لا تناقض أبداً بين الرياضة والثقافة؛ فكلاهما يكمل الآخر، ولا يجوز أن يفخر المثقف بثقافته على حساب الرياضة، مثلما لا يجوز أن يتنكر الرياضي للثقافة تحت وهم الاكتفاء بتفوقه وشعبيته التي لا تعرف الحدود· ولعل الاستهزاء الذي يبديه بعض المثقفين بالرياضة يضاعف من تعقد هذه العلاقة الملتبسة أحياناً· وهنا يأتي دور الإعلام بوسائطه المختلفة ليحلل هذه العلاقة بصورة موضوعية علمية، بل ليضع العلاقة في طريقها القويم· وأهم من الحديث عن هذه العلاقة تربية المواطن الرياضي على الاهتمام بقضايا المجتمع والأمة حتى لا يكون نباتاّ شيطانياً لا يعرف إلا قدمه ولا ينتمي إلا إلى فرديته المتورمة على نحو ما نرى لدى بعض الرياضيين الذي لا يمثلون الإنسان الرياضي حقاً·

وقبل أن أختم هذا المقال أود أن أشير إلى ملاحظة مهمة استوحيتها من وقائع هذا المونديال التي تألقت فيه فرق من أرجاء الدنيا وشاركت فيه بعض فرقنا العربية في الأدوار الأولى على استحياء، وهي أن حضور الدول في هذا المهرجان الجامع الذي يشهده مئات الملايين يقدم الدول من خلال لاعبيها للشعوب، وكم لهذا التقديم من فوائد وطنية وقومية عظيمة، فلماذا لا تُمثل الدول العربية بفرق قوية تنتزع إعجاب العالم؟ فإذا كان الواقع قد فرض علينا ألا نتفوق في القوة المادية ونفرض إرادتنا على الآخرين أفلا نجد لنا مكاناً بين الفرق التي تمثل بلادها خير تمثيل؟ خاصة وأننا نجد  كثيرا من الناس يتندرون بأنهم لا يعرفون بلداناً عربية كثيرة ولا يعرفون في أي القارات تقع· الرياضة مهمة جداً وليست نقيضاً للثقافة بشرط ألا توظف لأغراض لا تخدم الأهداف الحقيقية التي قامت من أجلها· فلنشجع الرياضة الجميلة، ولنعمل أن تتألق في المونديال القادم فرق عربية قوية تمثل الوطن العربي باعتزاز وفخر وتفوق من دون أن ننزلق في المزالق السلبية لهذه اللعبة الشعبية العالمية· هذا هو الأمل ·· أما العمل فدربه طويل وشروطه كثيرة·· فهل نستطيع أن نثبت لأنفسنا وللآخرين أننا حين يحدونا الأمل لا يعيقنا العمل؟

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

دليل المشاهد الغبي!:
حمد حسين
رئيس المرحلة الصعبة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الاستنساخ:
المحامي نايف بدر العتيبي
دولة "الكوت":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
كلام في المونديال:
د. لطيفة النجار
مشاورات ماكنتوشية:
يوسف الكندري
بوصباح يقول!!:
على محمود خاجه
تجمعات شعبية منظمة.. دون تاريخ انتهاء:
عويشة القحطاني
تنديد عالمي للإرهاب الإسرائيلي:
عبدالله عيسى الموسوي
هل يمتزج الماء بالسياسة؟:
علي حصيّن الأحبابي*
العقاب الجماعي:
د· منى البحر
المعادلة الصعبة:
د. فاطمة البريكي
المرأة.... حركة التاريخ:
د. محمد عبدالله المطوع