رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

المعادلة الصعبة
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

آلاف الأسرى الفلسطينيين يعانون في سجون الاحتلال "الإسرائيلي" منذ عشرات السنوات والعالم لا يحرك ساكنًا، وأسير "إسرائيلي" واحد عند الفلسطينيين قامت من أجله الدنيا ولم تقعد· كيف يمكن حلّ هذه المعادلة الصعبة إذا كان كل ما يحدث منذ أن أُسِر الجندي "الإسرائيلي" مخالفًا للمنطق وللعقل ولما يمكن أن يُجمع عليه عاقلان· لقد جُنّ جنون "إسرائيل" لمجرد وقوع جندي من جنودها في الأسر، بينما يقوم جنودها يوميًا -بخلاف الأسر والسجن دون محاكمة- بقتل الأبرياء وتشريدهم، وتدمير قرى كاملة على من فيها، وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة على أرض أجدادهم، دون أن ترى في ذلك عدوانًا، ودون أن يفعل العالم كله بشرقه وغربه شيئًا·

منذ أن أُعلن عن أسر الجندي "الإسرائيلي" ثارت "إسرائيل" وبدأت تتصرف تصرفات تليق بالعصابات -كما جاء على لسان عضو الكنيست زهافا جلؤون- وثارت خلفها الولايات المتحدة بشكل مبالغ فيه، يكاد يتفوق على موقف "إسرائيل" نفسها، وكأن الأسير جندي أمريكي وليس "إسرائيليًا"، أو كأن ما حدث يمسّ هيبة الولايات المتحدة· وفي الوقت نفسه، جاءت ردود الفعل العربية محبطة؛ فبدلاً من أن تقف موقفًا موحدًا في وجه رد الفعل "الإسرائيلي"- الأمريكي غير المبرر، مبيّنة لهما أن (من حق الفلسطينيين الدفاع على أنفسهم) كما تعلن الولايات المتحدة دائمًا بعد كل عدوان "إسرائيلي" يستهدف مدنيين فلسطينيين غالبًا، وأن تجبرهما على التراجع عن العدوان التدميري الذي يستهدف المدنيين والبنى التحتية لقطاع غزة دون إقامة وزن لكلمة سقطت من القاموس "الإسرائيلي" وهي كلمة الإنسانية، نجد الموقف العربي ضعيفًا مذبذبًا لا يصمد أمام الموقف العنيد الصلب الذي يبديه الطرف الآخر·

أين العالم مما يحدث في فلسطين؟ أما منهم رجل رشيد يرى أن "إسرائيل" تردّ على أسر جندي من جنودها بممارسات لا علاقة لها بأصول الحرب؛ فتختطف أفرادًا من الحكومة الفلسطينية وتصرّح بذلك دون خجل، ثم تقوم بقصف مكاتب رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، بعد إعلانها بأن رأس هنية سيكون مقابلا للجندي الأسير إن مسّه سوء·  والملاحَظ أن "إسرائيل" تفترض مسبقًا أن يحدث لجنديها سوء وهذا ما يبدو أنها تريده كي تسوّغ لنفسها القيام بالمزيد من الأعمال الوحشية، مع أن المطالب الفلسطينية واضحة ومحددة، لا تجعل من قتل الجندي الأسير هدفًا لها، وتطالب بإطلاق ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاقه، إلا أن "إسرائيل" لا تسمع سوى صوتها، الذي لا تستعمله إلا في التهديد والوعيد·

حين ظهرت (هدى غالية) على شاشات التلفزة العالمية وهي تبكي أسرتها التي قتلتها القوات "الإسرائيلية" جهارًا نهارًا بينما كانت تجلس على شاطئ البحر، مسالمة لا تحمل سلاحًا ولا تؤذي أحدًا لم يفعل العالم شيئًا، ولم يحرك ساكنًا، وكأن الدم الفلسطيني قد أصبح رخيصًا إلى الحد الذي لم يعد يشعر أحد بضرورة أن يفعل شيئًا لوقف جريانه·

أسرة كاملة أبيدت في ثوانٍ دون ذنب اقترفته ولم يفقد العالم العربي عقله، ولم يأخذ الفلسطينيون في القتل والتدمير شرقًا وغربًا، لكن بمجرد أن أُسِر جندي من جنود الاحتلال "الإسرائيلي" نجد الصورة قد اختلفت تمامًا، يبدو فيها الجانب الفلسطيني معتديًا غاشمًا "مختطِفًا" والجانب "الإسرائيلي" مسالمًا لا حول له ولا قوة، يقوم الفلسطينيون بأسر جنوده الذين يحملون في قلوبهم كل الحب والخير للفلسطينيين ولشعوب العالم أجمع!

ولأن الصورة تحمل المعادلة السابقة، فمن حق المعتَدَى عليه أن يرد على العدوان بمثله أو بما هو أشد منه، وقد اختارت الحكومة "الإسرائيلية" الخيار الثاني منهما، وهو الرد بما هو أشد من مجرد أسر جندي وبدأت بممارسة أعمالها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني المدني الأعزل متوعدة بحرمانه من النوم، بأساليب لا تصلح إلا للعصابات المتمرسة فعلاً؟

والغريب هو أن المسؤولين في الجانب "الإسرائيلي" لا يتورعون عن إلقاء بعض التصريحات المستفزة؛ إذ قال وزير البنى التحتية "الإسرائيلي" بنيامين بن اليعازر للإذاعة العسكرية "بقدر ما تذهب حكومة القتلة هذه بسرعة، بقدر ما يكون الأمر أفضل للفلسطينيين"· ولا أعرف كيف يمكن لقارئ هذه العبارة أن يستوعب أنه يقصد بحكومة القتلة الجانب الفلسطيني، وكيف يمكن للقاتل أن يرى نفسه ضحية بريئة وأن يرى الضحية الحقيقية هي القاتلة والمسؤولة عن الإرهاب والعدوان؟ وكيف يمكن أن تنطلي على شعوب العالم مثل هذه التصريحات الخبيثة التي يحاول الذئب فيها أن يكون حملا متى شاء، وأن يكون بغاثًا مستأسدًا متى شاء، وأن يتحرك العالم أجمع بمشيئته لأنه في مركز القوة طالما أن القوة العسكرية الاقتصادية الوحيدة في العالم تقف من خلفه تدعمه وتؤيده·

بقي أخيرًا أن أشير إلى تباين الأهداف بين الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي" من وراء هذه العمليات التي تصدر عن الطرفين؛ فقد أعلنت كتائب عز الدين القسام، وهي الجهة المسؤولة عن أسر الجندي "الإسرائيلي"، عن مطالبها بوضوح وتحديد، وهي إطلاق ألف أسير فلسطيني من النساء والأطفال دون سن الثامنة عشرة، أي أنها لم تأسر الجندي عدوانًا، ولا استعراضًا لمهاراتها الحربية التي تطورت بشهادة "الإسرائيليين" أنفسهم، بل قامت بذلك من أجل تخليص النساء والأطفال من ذل السجون "الإسرائيلية"·

أما "إسرائيل" فلا يبدو أنها تقوم بعملياتها هذه من أجل الجندي الأسير بشخصه، فذلك أبعد ما يكون عنهم بعد أن وصفهم الله عز وجل بقوله: (تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى)، ولكن الذي يحركها لتخليص هذا الجندي، هو شعورها بتطاول الفلسطينيين على هيبتها ومكانتها، وكأنها تسعى بعملياتها هذه ليس إلى تخليص جنديها، وإنما إلى إعطاء الفلسطينيين درسًا في كيفية التعامل مع القوة "الإسرائيلية" وتعرفهم بتبعات الاعتداء أو التطاول عليها·

إنهم أشداء على باطلهم ونحن ضعفاء على حقنا، فمتى سنستطيع أن نقف في وجههم صفًا واحدًا بالكلمة على الأقل لنجبر العالم على أن يقف موقفًا ضاغطًا على "إسرائيل" كي توقف هجومها العدواني الشرس على الشعب الفلسطيني الأعزل، وأن تطلق آلاف الأسرى الفلسطينيين قبل أن تتبجح مطالبة بإطلاق جندي واحد أسير·

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

دليل المشاهد الغبي!:
حمد حسين
رئيس المرحلة الصعبة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الاستنساخ:
المحامي نايف بدر العتيبي
دولة "الكوت":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
كلام في المونديال:
د. لطيفة النجار
مشاورات ماكنتوشية:
يوسف الكندري
بوصباح يقول!!:
على محمود خاجه
تجمعات شعبية منظمة.. دون تاريخ انتهاء:
عويشة القحطاني
تنديد عالمي للإرهاب الإسرائيلي:
عبدالله عيسى الموسوي
هل يمتزج الماء بالسياسة؟:
علي حصيّن الأحبابي*
العقاب الجماعي:
د· منى البحر
المعادلة الصعبة:
د. فاطمة البريكي
المرأة.... حركة التاريخ:
د. محمد عبدالله المطوع