رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 ديسمبر 2006
العدد 1755

مَنْ لأبنائنا؟
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

ما زالت حكايات المعلمين والتلاميذ، وما يقع بين الطرفين من مشاحنات وضرب وإساءة تتوالى، وما زلنا نقرأ في الصحف عن حوادث جديدة تضاف إلى حوادث قديمة تصور لنا الواقع التربوي بصورة محزنة تعكس خللا عظيما، وتنذر بوجود عطب كبير في بنية العلاقة بين المعلمين وتلاميذهم، وربما بين التلاميذ وذويهم، مما ينبئ عن اتساع الهوّة بين هذه الأطراف في الوقت الذي يحاول فيه القائمون على التعليم أن يرأبوا الصدع، وأن يهيئوا البيئة التعليمية لتكون مكانا آمنا للصغار، يظللهم بالمحبة والرعاية والتفهّم، قبل أن يشرع في إنجاز رسالته الكبرى في تعليمهم وتثقيفهم وتزويدهم بأدوات المعرفة الضرورية لمساعدتهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وآمالهم·

أذكر أنني منذ أشهر قليلة تسلمت رسالة بالبريد الإلكتروني تتضمن تصويرا بالفيديو لمعلم يضرب تلميذا صغيرا في الصف الثالث بسلك كهربائي، في إحدى مدارس المملكة العربية السعودية· وقد هالني المشهد؛ وهزّ أعماقي، فقد كان المعلم فاقدا للسيطرة، واقعا تحت تأثير بركان من الغضب، وكان التلميذ يستنجد ويرجو معلمه أن يتوقف عن ضربه· وقد بقيت الصورة عالقة في ذهني طوال اليوم، وصوت التلميذ وهو يستعطف معلمه يتردد على مسامعي· وكنت أتساءل بيني وبين نفسي، وقد سيطر عليّ الذهول، ما الذي يدفع المعلم- أي معلم- إلى أن يتجرد من إنسانيته وينهال على تلميذه بالضرب بكل هذه القسوة والعنف؟ وعلى الرغم من محاولاتي الكثيرة أن أجد تبريرا منطقيا يبرر مثل هذه السلوكيات فإن عقلي أبى أن يقبل أي مبرر يعذر المعلم على أن يعامل تلميذه الصغير بهذه المعاملة التي لا يألفها الإنسان إلا في بيئات معينة قد تكون أقرب إلى بيئة السجون أو المعتقلات، وحتى في هذه البيئات فإن الأمر ما زال مرفوضا، إذا كان مشوبا بالقسوة واللاإنسانية والتجبر والظلم·

وإذا كنا قد قرأنا أيضا عن حوادث معاكسة يقع فيها المعلم ضحية، فينهال عليه تلاميذه بالضرب أو الإهانة، فإنّ مثل هذه الحوادث، المرفوضة أيضا، تقع، غالبا، في مدارس الكبار، ولها أسباب كثيرة، يجب أن تدرس، وتوضع في الاعتبار، وتعالج، من قبل المختصين وأولياء الأمور والمجتمع بمختلف فئاته ومؤسساته· ولكنني أتحدث هنا عن مدارس الصغار، التي لا يتصور فيها أن يعتدي التلميذ على معلمه؛ فالتلميذ في مثل هذه المدارس طفل صغير، ما زال هشّ البنية، رقيق العاطفة، شديد الحساسية، مرهف الحس· إنّه في طور التشكيل، يبني في خياله صورة عن الحياة والناس من خلال الرسائل التي نرسلها إليه بصورة غير مباشرة بأقوالنا وأفعالنا، وهو يتلقاها ويفهمها، ويكوّن على أساس منها تصوراته الشخصية التي قد تزيده قوة وتماسكا وثقة، أو قد تعمق فيه شروخا تشوّه تكوينه النفسي والعاطفي، فينشأ عالة على المجتمع، بعد أن كان معقودا عليه الأمل أن يكون لبنة صالحة تحمل همّ الوطن، وتفتح أمامه آفاق الخير والصلاح والتطور بعقل متفتح، وقلب واع، ونفس طيبة، لم تمسّ ولم تجرح فتنزفَ غضبا مكبوتا، أو تهورا، أو لامبالاة، أو عنفا يولد عنفا آخر·

ولا شك أنّ أطفال اليوم يختلفون كثيرا عن أطفال الأمس؛ فهم أكثر جرأة، وقد تساعدهم أدوات العصر الحديثة على أن يطلعوا على أمور لم يكن للأطفال في القديم أن يعرفوها إلا وهم يقاربون عمر الشباب، فالانفتاح الذي يشهده هذا الزمن، خاصة في مجتمع تلتقي فيه حضارات الشرق والغرب، يعطي الصغير فرصة أن يقفز عن مراحل التكوين التي عهدناها في زمننا، والتي نشأنا عليها· ولا شكّ أيضا، أنّ كثيرا من الصغار في هذا الزمن، الذي تعددت فيه مصادر التربية والتعليم، قد يتلقون من وسائل الإعلام المفتوحة على الجيد والرديء بلا قيد ولا رقيب، الكثير من الرسائل التي قد توجه سلوكهم توجيها لا يتوافق مع تقاليد مجتمعنا، وثوابته، وقد يدفعهم، أحيانا، إلى تجاوز حدودهم، وإلى التلبس بلباس غيرهم· ولكنّ هذا كله يجب ألا يعمي بصائرنا عن حقيقة أنهم في النهاية أطفال صغار، يحتاجون الكثير من الرعاية والتفهم والصبر· فالتسرع في التعامل معهم، والقسوة عليهم، واعتماد العنف وسيلة لتوجيههم وتربيتهم لن يحقق أبدا نتائج طيبة نطمئن إليها·

إنّنا نحتاج أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نتأمل واقعنا بعين بصيرة، لا تجمله، ولا تستره، ولا تتجاهله· ولا تردّ على ما يقع فيه من أخطاء وهفوات بردود فعل لحظية، تعالج الحادثة، ولا تعالج أسبابها· يحتاج أطفالنا منا الكثير من الاهتمام، الاهتمام الذي يتجاوز توفير الحاجيات المادية، والبذخ في الصرف عليهم، وإعطائهم كل ما يطلبون من غير تمييز بين النافع والضار· يحتاج أبناؤنا بالدرجة الأولى أن نكون معهم، حاضرين في أدق تفاصيل حياتهم· يحتاج أبناؤنا أن نَسمَعهم، لا أن نُسْمِعَهم· فالحوار شبه مفقود بيننا وبينهم· الحوار اليومي الدائم المتجدد بتجدد همومهم ومخاوفهم وأفراحهم· يحتاج أبناؤنا أن نضعهم في كنف معلمين يحيطونهم بالحب والعطف، ويتجاوزون عن هفواتهم الصغيرة، ويعالجون أخطاءهم الكبيرة بالصبر والحزم والرعاية· يحتاج أبناؤنا إلى كبار يتصرفون معهم من منطلق أنهم صغار، فلا يتعاملون معهم تعامل الند للند، فيلجئون إلى تعنيفهم أو الانتقام منهم أو إيذائهم ردا على ما قد يبدر منهم من تصرفات تجانب الصواب، وتستفز المشاعر·

إنّ حوادث الضرب العنيف التي تقع في مدارسنا تعبّر عن نقص كبير في مؤهلات المعلمين؛ فلا يكفي أن يكون المعلم قديرا في تخصصه، متمكنا في أسلوب تدريسه· فمعلم الصغار لا بد أن يكون خبيرا في التعامل معهم، وأن يكون قد درس وتدرب على تشخيص كثير من مشكلاتهم، وقرأ واطلع على تجارب الآخرين في علاجها ووضع حلولا تربوية لها· ولا بد قبل كل هذا، أن يكون قد امتهن مهنة التدريس لأنه يراها رسالة عظيمة قبل أن تكون مصدرا للرزق والمعاش· وفي المقابل يحتاج المعلمون إلى من يتفهم الصعوبات العظيمة التي يواجهونها في مهنتهم، والضغوط النفسية التي قد يعانون منها، والتي قد تؤثر في أدائهم، إلى من يقدّر حجم الأعباء التي يتحملونها فيجزل لهم العطاء، ويخفف عنهم العبء، ويعاونهم على أن يكونوا منابع نور تضيء حياة التلاميذ، وظلالا وارفة تظلهم وتحميهم·

إنّ مدارسنا - على الرغم من السعي الحثيث لتحديثها وتحسين بيئتها- ينقصها الكثير من الثقافة التربوية التي ترسخ مفهوم البيئة الآمنة المستقرة القادرة على احتواء كل مشكلات أبنائها وموظفيها بقدر كبير من الخبرة والإنسانية والتجرد من الأهواء والمصالح الشخصية الضيقة· فكيف تستطيع مدارسنا أن تحقق أدنى شروط تلك البيئة إذا كانت تخلو من الأخصاصيين النفسيين المدربين؟ وكيف نطمئن إلى أنّ المعلمين فيها أهل للثقة في علمهم وخلقهم واستقرارهم النفسي والعاطفي إذا كان تعيينهم يكون بغياب آلية واضحة نرتكز عليها ونطمئن إلى قدرتها على الانتقاء الصحيح السليم؟ ثم كيف نطمح أن يحيا أبناؤنا - أجيال الغد الموعود- حياة طيبة صالحة، ونحن - في كثير من الأحيان- نهملهم، وننسى أن نكون حاضرين في حياتهم حضور المربي الناصح، والصديق القريب، والأذن الواعية، والعين البصيرة التي لا ترى أخطاءهم إلا وهي مصحوبة بأسبابها، فتعاقب على الخطأ، وتسعى للقضاء على أسبابه، من دون أن تمس أرواحهم البريئة بالأذى الذي قد لا يزول·

جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

لبنان بين موناكو.. وإيران!!:
سعاد المعجل
نكران الهزيمة:
د· منى البحر
إلى حبيبتي..:
على محمود خاجه
رقابة الهيئة على تسجيل الأعضاء في الأندية :
المحامي نايف بدر العتيبي
المشاركة رؤية وطنية :
د. محمد عبدالله المطوع
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(1):
بدر عبدالمـلـك*
الخطيب طريح الفراش:
د. محمد حسين اليوسفي
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة:
د. فاطمة البريكي
آراء الشارع الإسرائيلي:
عبدالله عيسى الموسوي
مَنْ لأبنائنا؟:
د. لطيفة النجار
الإسلامويون "وشعبولا":
خالد عيد العنزي*
لماذا..؟ يا رئيس الحكومة ويا رئيس البرلمان؟:
محمد جوهر حيات
شتان ما بين الكويت وسنغافورة:
يوسف الكندري