رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 29 نوفمبر 2006
العدد 1752

ثوابت ومتغيّرات
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

كنت قبل أيام أتسوّق، فلفت نظري في ركن المجلات عنوان على غلاف مجلة "أهالي" في عددها الأخير (23-  نوفمبر- 2006 ) هذا نصّه: "أقليّة في بلدهم! هواجس التربية والاختلاط في الإمارات"· وهو ما أشارت إليه المجلة على أنه تحقيق العدد· وقد أعدت التحقيق هدى الرستماني، وهي باحثة إماراتية حاصلة على درجة الماجستير وأم لولدين، كما ذكرت المجلة·

اشتريت المجلة من باب الفضول، فالموضوع في غاية الأهمية بالنسبة لي، وحين قرأت ما جاء في التحقيق استشعرت بداية أنّ الباحثة لا تخفي عن القراء إحساسا بالقلق تجاه ما قد يواجهه أبناء الإمارات من أسئلة كبرى، وهم يعيشون في بيئة متعددة الثقافات، يشكل أهلها فيها القلة التي لا تتجاوز 15% أو 20% على أحسن تقدير، بينما يشكل الآخرون النسبة الكبرى، مما يجعل بيئة الإمارات مكانا كبيرا لالتقاء ثقافات مختلفة متباينة· وترى الباحثة أنّه يمكن تقسيم الثقافات في بيئة الإمارات إلى أقسام أربعة، هي: محلية، وعربية، وآسيوية، وغربية· وهي تركز في استطلاعها على فئة معينة من أبناء الإمارات، قد يكونون قلة، ولكنّهم، مع ذلك، يدفعون المرء إلى التفكير فيهم، وفي ما قد يتعرضون إليه من ارتباك وتشوش فيما يتصل بثقافتهم وتراثهم· هؤلاء هم أبناء الإمارات ممن يدرسون في مدارس خاصة تتبنى مناهج دولية متاحة لجميع الجنسيات· وعلى الرغم من أنّ عدد الذين أجريت عليهم الدراسة قليل جدا لا يتجاوز خمسين شخصا، عدد المواطنين فيهم 14 مواطنا، إلا أنّنا نستطيع أن نعد ما جاء في الدراسة مؤشرا يلفت انتباهنا إلى قضايا أساسية في حياتنا وحياة أبنائنا تحتاج إلى اهتمام حقيقي وتعاون كبير بين قطاعات مختلفة في الدولة·

ويبدو أنّ الذي دفع الباحثة إلى إعداد هذا التحقيق هو ما لمسته من أسئلة قلقة من بعض صديقاتها الأمهات حول سلوكيات أبنائهم، وأسئلتهم عن الدين، أو طرق العبادة، أو بعض العادات التي تعد نقاط افتراق واضحة بين مجتمع الإمارات والثقافات الأخرى التي يحتضنها· وقد ذكرت الباحثة مواقف كثيرة توضح بجلاء أسباب القلق التي أشارت إليها في مقدمة دراستها، ولا أريد أن أعيد ما ذكرته الباحثة، ولكني أرى أن أكتفي بإشارات سريعة مما جاء في التحقيق لاشرك القرّاء معي فيما أريد توضيحه بعد ذلك· أوردت الباحثة قصة أم عليا "التي كانت مسرورة جدا؛ لأن ابنتها ترتاد مدرسة خاصة معظم تلاميذها من المغتربين العرب· تتحدث ابنتها الفرنسية والإنكليزية بطلاقة، وتتحلى بثقة عالية بالنفس·· لكن المشكلات ظهرت لاحقا عندما بدأت ابنتها تثور على التقاليد رافضة ارتداء العباءة، وواصفة أهلها بالمملّين، لأنهم لا يخرجون كثيرا"· "لا سفر، لا نزهات، ولا خروج مع الأصدقاء"· تقول الباحثة إنها سألت أم عليا "إن كانت قد فكرت في تأثير الأصدقاء قبل تسجيل ابنتها في تلك المدرسة؟ فأجابت إنها ظنت أن التربية المنزلية ستكون كافية لتعريف عليا إلى ثقافتها وانتمائها والخطوط الحمر التي لا يجدر بها تجاوزها"· وفي موضع آخر تقول الباحثة "أخبرتني إحدى الأمهات (لم تحدد الباحثة جنسية الأم) أنها اكتشفت أن ابنها تناول بيتزا مع لحم الخنزير في زيارة إلى عائلة ألمانية، وشاهد فيلما لا تسمح به أبدا في بيتها"·

لا شكّ أنّ الانفتاح على الثقافات الأخرى له محاسن وإيجابيات؛ فهو يعطي الإنسان فرصة ثمينة لفهم معنى الاختلاف واحترامه، والتعامل معه بتسامح ونضج، بعيدا عن التعصّب والتطرّف والانغلاق على الذات، كما أنه يذكّر الإنسان بأنه لا يعيش وحده في هذا الفضاء الكوني الواسع، وأنّ الاختلاف سنة قدّرها الله وأرادها، يقول عزّ وجلّ: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)، ويقول أيضا: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم)· فالاختلاف آية من آيات الله العظمى يلفت أنظارنا إليها ويذكرنا بها· والذين يطلبون التماثل والتناغم التام في المجتمع يطلبون محالا لا سبيل لهم إليه، ويعيشون وهما كبيرا يزيدهم انفصالا عن مجتمعهم وقضاياه الأساسية ومشكلاته الكبرى·

فنحن مطالبون اليوم بأنْ نفقه واقعنا بكل ما يتضمنه من تناقضات وعقبات، وأنْ نتعامل مع مشكلاته بوعي وقدرة على الاحتواء والفهم، ولا يعني ذلك انتهاج طريقة التخدير الموضعي أو التجاهل أو التجميل أو تحريف الواقع، فنحن، حين نفعل ذلك، نخدع أنفسنا في المقام الأول، ونخدع أبناءنا الذين لن يكفّوا عن التساؤل والمقارنة والتفكير فيما يسمعونه منا، وما يرونه في الخارج في بيئتهم المدرسية، أو مع أصدقائهم، أو في وسائل الإعلام المختلفة التي لا يخفى تأثيرها على أحد· ولا شكّ أنّ القرّاء يشاركونني الرأي في أنّ كثيرا من أبنائنا وبناتنا أصبحوا اليوم متأثرين تأثرا ظاهرا بالثقافة الغربية، يظهر ذلك جليا في سلوكهم ولباسهم ولغتهم، وفي طريقة تفكيرهم· وإذا كانت بعض الأسر لا ترى غضاضة في أنْ يتحدث أبناؤها الإنجليزية، وأن يلبسوا اللباس الغربي، بل إن بعضهم يراه علامة على سبقهم وتقدمهم، فإنّ ذلك يؤذن بأنْ تزداد الأجيال بعدا عن دينها وتراثها وتقاليدها، مما يضعف فيها شعور الانتماء إلى مجتمع له خصوصيته التي يستمدها من ثوابت لا يمكن اجتثاثها أو تغييرها·

إنّها معادلة في غاية الصعوبة، وتحدٍّ كبير، يحتاج أن ننظر إليه نظرة إخلاص وفهم ووعي، من دون أن ننغلق على أنفسنا، وأن نعزل أبناءنا عن العالم من حولهم، ونظن -واهمين- أننا بذلك قد حميناهم، وأنهم يعيشون في عالم مثالي من الأخلاق والفضائل، بعيدا عن العالم الحقيقي من حولهم الذي يمور بالاختلافات والإغراءات والتناقضات، والذي لا يمكن لنا - بأي حال من الأحوال- أن ننفصل عنه أو أن نتقيه· ولكنّنا، في الوقت نفسه، نحتاج أن نرعى أبناءنا رعاية صادقة محبة، لا تلقي بهم إلى محيط الآخرين من دون أن تسلحهم بثوابت ديننا الحنيف ولغتنا العربية وعاداتنا وتقاليدنا، التي تحمي مجتمعنا من الذوبان في ثقافات الآخرين· لا نريد أن يكون حالنا مع أبنائنا كما قال الشاعر:

ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له: إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء

* جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

"عروس المطر" وكيمياء التواصل!:
سليمان صالح الفهد
الإدارة الأمريكية في أضعف حالاتها:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الدم اللبناني الشهيد:
سعاد المعجل
متى سيحدث التعديل؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أثر الحوار الطيب وثقافة الاندماج والتسامح :
محمد بو شهري
الفراعنة:
على محمود خاجه
"الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح":
المهندس محمد فهد الظفيري
المحافظة على حلم جميل !!!:
د. محمد عبدالله المطوع
يمكن يكون حسد:
المحامي نايف بدر العتيبي
بين العلاج العام والعلاج الخاص:
د. محمد حسين اليوسفي
إسقاط القروض والمواطن غير الصالح..:
محمد جوهر حيات
غباء جيش النخبة:
عبدالله عيسى الموسوي
قلب المفاهيم وتحريف المصطلحات:
د· منى البحر
شيفرة دافنتشي للتدريب المهني :
ياسر سعيد حارب
ثوابت ومتغيّرات:
د. لطيفة النجار
قلة حياء:
يوسف الكندري
حتى المعارضة ورقة بيد الحكومة!:
عبدالخالق ملا جمعة