رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 مايو 2007
العدد 1773

اللغة العربية في جامعاتنا العربية
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

ثمة ظاهرة لافتة في عدد من الجامعات العربية تشير إلى ضعف إقبال الطلاب والطالبات على دراسة اللغة العربية، وهي ظاهرة تثير التساؤل أحيانا، وتثير الدهشة أحيانا أخرى· فاللغة العربية هي لغة التعليم في مرحلة التعليم العام على الأقل، (في المدارس الحكومية حتى هذه اللحظة في بلادنا)، وهي لغة التواصل بين الناس في البيت والشارع والعمل، (إذا تجاهلنا سيل العاميات واللغات الهجين التي أفرزها الواقع)، وهي وسيلة التواصل الوجداني والإعلامي في وسائل الإعلام والآداب والفنون· وهي الرابط الوحيد الذي يصلنا بتاريخنا وقرآننا، وهي عنصر مهم من عناصر تميزنا وخصوصيتنا، فهي ليست مادة علمية تفيض عن الحاجة أحيانا، ويتطلبها سوق العمل أحيانا أخرى·

وقد كثرت الآراء والأقوال حول أسباب عزوف الطلبة عن التخصص في اللغة العربية، فمن قائل إن الطلاب يقبلون، في العادة، على تخصصات تضمن لهم عملا ناجزا من دون انتظار طويل في صفوف المتقدمين لوظائف في القطاعين العام والخاص، وتضمن لهم في الوقت ذاته عملا يجنبهم الحاجة إلى المادة، بل يدر عليهم في المستقبل القريب دخلا يضمن لهم الراحة النفسية المادية معا· ومن قائل إن اللغة العربية تقصى بطريقة منهجية منظمة من الاستخدام في سوق العمل في القطاعين العام والخاص، وإن عملية إحلال واسعة منظمة للغة الإنجليزية أو الفرنسية تجري في الواقع، ليس في سوق العمل فحسب، بل في معاهد التعليم من مدارس وكليات وجامعات، ولعل التوسع في التعليم الخاص البعيد عن الرقابة المباشرة للدولة يساعد في استفحال هذه الظاهرة وانزواء اللغة العربية في أضيق الحدود· ومن قائل إن اللغة العربية صعبة، وإن دراستها لا تحقق لدارسيها المعرفة التي تؤهلهم للعمل في المجالات المتاحة في أيامنا هذه، فهي محصورة جدا في مجال أو مجالين قد لا يستهوي الكثير من الشباب في هذا الزمن·

وتشير بعض استطلاعات الرأي السريعة بين طلبة الجامعات إلى أنّ المتخصصين في اللغة العربية يشعرون، بصورة عامة، بقدر من الدونيّة قياسا إلى دارسي اللغة الإنجليزية أو بعض التخصصات الأخرى، لأن المجتمع الاستهلاكي ينظر إلى العلوم والمعارف والثقافة نظرة سطحية، ولا يغوص في الأعماق ليدرك أن الوعي والمعرفة والإدراك والثقافة ليست ألفاظا مجردة ينطق بها مستخدم اللغة في البيت أو المدرسة أو السوق أو العمل، وإنما هي أبعد من ذلك، إنها جوهر يتأتى أصلا باللغة الأم، وما اللغات الأخرى إلا وسيلة مساندة لاكتساب هذه المعارف والثقافات والعلوم·

وإذا كانت هذه بعض الأسباب التي تجعل الطلبة ينأون عن التخصص في اللغة العربية فإن هناك أسبابا أخرى قارّة في عمق اللاشعور، من أجيال بعيدة، فقد كان مستخدم اللغة العربية في العصر التركي يقابل باحتقار وازدراء، بل كانت توضع في فم متحدث اللغة العربية، كما يقول الشيخ المهدي في مذكراته، عقلة الحمار، وكان أبناء الطبقة الأرستقراطية يأنفون من التحدث بلغة الشعب لغة العامة والسوقة· ويظهرون تعاليهم بنبذ اللغة العربية· وأذكر أنني قرأت في مذكرات الشيخ علي الطنطاوي وصفا لأنواع العقوبات التي يعاقب بها الطلاب إذا تحدثوا بالعربية، كأن تعلق على صدروهم بطاقة كبيرة مكتوب عليها عبارات تحقير قد تصل إلى درجة السب والشتيمة، وتبقى هذه البطاقة معلقة على صدر الطالب الآثم مدة من الزمن بحيث يراها باقي الطلاب فيتعظون ويتجنبون الوقوع فيما وقع فيه زميلهم·

وحين دار الزمان دورته ظنّ كثير من أبناء الأمة أن مهد سيادة اللغة العربية قد عاد من جديد، وأنّ راية العربية بدأت ترفرف في سماء العروبة، وفي فضاء شعرائها وبلغائها وكتابها وعلمائها الذين ترجمت آثارهم إلى لغات الغرب ليقودوا دفة الحضارة الإنسانية، واستبشرت العربية بأن كانت الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأمريكية ببيروت) والجامعة اليسوعية (جامعة القديس يوسف)، وغيرهما من مدارس عليا وكليات تدرس العلوم والهندسة والطب باللغة العربية، فضلا عن الآداب والقانون والاقتصاد· ولكنّ هذا الظن لم يتقد إلا لينطفئ، ولم يبزغ إلا ليغيب، وإذا بردة قاسية متسارعة تولي وجهها شطر لغات غربية ورثت أرستقراطية اللغة التركية، وتجعل نموذج مستعمل اللغة العربية بدل الخوارزمي وابن سينا والفارابي وأبي حيان وابن المقفع والجاحظ شخصا مهزوزا غبيا مسحوقا عديم الشخصية متهدم الهوية، هو "الخوجة" أو معلم اللغة العربية الذي يعيش خارج العصر· لقد قدمت وسائل الإعلام المختلفة صورة اللغة العربية ونموذجها المعلم "المهرج" في صورة بائسة للإنسان الذي يعيش خارج التاريخ وخارج العصر·

إن أقسام اللغات في العالم تنشأ لخدمة اللغة القومية، وتؤسس لتحقيق أهداف لا تقتصر على حسابات السوق والوظيفة والراتب، وينظر إليها على أنها مصدر من مصادر تشكيل الخطاب اللغوي بمختلف تجلياته المعرفية والعلمية والتربوية والسياسية والأدبية، فكثير من أقسام العلوم والمعارف تعتمد في دراساتها على نتائج الدراسات اللغوية في أقسام اللغة، وكثير من القفزات النوعية التي تحققها التربية في مجالات التعليم العام معتمد بالدرجة الأولى على أقسام اللغات التي تضع على عاتقها تحليل البنية التركيبية والدلالية للغة التعليمية، فتطور نماذج أساسية للخطاب التعليمي يكفل النجاح في تحقيق التواصل مع الدارسين·

إن أقسام اللغات في الجامعات العريقة تعكف على دراسة اللغة القومية دراسة لغوية معجمية نحوية دلالية نقدية أدبية دراسة متواصلة متوالدة، فتزود المجتمع بذخيرة متنامية من الدراسات والكتب والبحوث التي تغدو مصدرا غنيا من مصادر التطوير والنقاش والبحث والانغماس في متعة الاكتشاف والمعرفة، وفي لذة التعرف إلى اللغة الأم، التي هي جزء لا يتجزأ من التكوين العقلي للناطقين بها·

لابد أن ينظر إلى أقسام اللغة العربية في الجامعات نظرة مختلفة تماما عن تلك النظرة الساذجة السطحية التي تنطلق من منطلقات لغة السوق والوظيفة، لأن للغة مكانا أعلى بكثير من مجرد وظيفة في السوق، فهي - في كل العالم- مرتبطة بالوجدان والهوية وتاريخ الإنسان، وهي - في كل العالم- تكتسب مكانتها بكونها جزءا من التكوين المعرفي والثقافي والعاطفي للمتكلمين بها· إن اللغة في الدرس اللساني الحديث ليست عنصرا مستقلا عن التفكير، إنها متجذرة بقوة في آليات التفكير في الدماغ الإنساني· واختلاف اللغات ينبئ عن اختلاف في بنى التفكير بين الأمم· وحين ترضى أمة بأن تستبدل بلغتها لغة أخرى، إنها في الحقيقة تستبدل دماغها بدماغ آخر· إن الذوبان في الثقافات الأخرى واللغات الأخرى أشبه بحبل مشنقة يلتف حول الأعناق، ولا يقود إلا إلى الفناء والتلاشي·

وإذا كنا نلمس ظاهرة العزوف عن تعلم اللغة العربية، ولا سيما بين الطلاب، فإننا يجب أن نبحث عن حل لتشجيع المتعلمين بشتى الوسائل، ومنها تقديم المنح المجانية للطلبة المتميزين حتى يكونوا رسل تميّز يحملون على عاتقهم خدمة اللغة العربية، ويثبتون بالمظهر والجوهر أنّ اللغة العربية جديرة بأن يتشرف دارسها بالانتساب إليها· ومنها الاهتمام بأقسام اللغة العربية في الجامعات العربية بحيث ينظر إليها نظرة تتجاوز أنها مصدر من مصادر تزويد السوق بالموظفين· بل هي مكلفة أن تتقدم بدراسة اللغة العربية على مستويات عالمية بحيث تنجز أعمالا تتصف بالعلمية والمنهجية تسهم في وصف اللغة العربية وتحليلها على المستوى المعجمي والصرفي والنحوي والدلالي وصفا يضعها بموازاة اللغات العالمية التي قطعت شوطا كبيرا في ذلك، وتسهم في اكتشاف المواهب الأدبية ورعايتها بحيث تغدو مصدرا لا ينضب من مصادر تزويد المجتمع بالأدباء والباحثين العلماء في اللغة العربية الذين قد يديرون الدفة مرة أخرى لصالح اللغة الأم بحيث نرى أعلامها ترفرف من جديد على أرض العروبة·

* جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

عندما غضبت سيغولين رويال:
الدكتور محمد سلمان العبودي
تسونامي السكري:
مريم سالم
اللغة العربية في جامعاتنا العربية:
د. لطيفة النجار
تطوير العقول أو تغييرها:
د. فاطمة البريكي
يا أولمرت أهدم هذا الجدار:
عبدالله محمد سعيد الملا
"الله بالخير" بوصلة الهم العام:
سليمان صالح الفهد
رئيس يفقد شعبيته:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
غرق ملف الناقلات؟!!:
سعاد المعجل
معركة الشرفاء:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الوطنية و حلبة الصراع من أجل السلطة:
فهد راشد المطيري
ولدك يخرّب عليك أكثر:
على محمود خاجه
الكويتي المبدع والمفكر:
فيصل عبدالله عبدالنبي
الاغتياب والجبن والصمم:
محمد بو شهري
وداعاً للعاطفة... الحل هو العقل؟!:
د. محمد عبدالله المطوع
مكافأة مخالفي الإقامة:
المهندس محمد فهد الظفيري
دروس من تقرير (فينوغراد)-1:
عبدالله عيسى الموسوي
تجري الحريات بما لايشتهي مجلس الوزراء!!:
فاطمة محمد أيوب*
للمال العام حرمة..
يا نواب الأمة:
محمد جوهر حيات
لا تُعْطني دولاراً..
وبعدها تأكُلْني!:
علي سويدان
ثقة المواطن وديمقراطية الحكومة:
أحمد سعود المطرود
تطوير العقول أو تغييرها:
د. فاطمة البريكي