رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 مايو 2007
العدد 1775

إشكالية الثقافة
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

ينظر الناس إلى المكون الثفافي في حياتهم نظرة إجلال واعتزاز وتقدير، فهم يرونه جزءا أساسيا من تكوينهم الخاص الذي يميزهم عن غيرهم من الأمم والمجتمعات، ويعدونه عاملا مهما من عوامل توحيدهم وربطهم برباط الاتفاق والقبول بنمط مخصوص من السلوك الإنساني الذي انتقل إليهم عبر الزمن من الأجداد، وتحصل لديهم من إيمانهم الجمعي بمعتقدات وقيم قد لا يؤمن بها غيرهم من الجماعات البشرية الأخرى· فالثقافة - كما يرى كثير من علماء الإنثروبولوجيا - هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة، والمعتقد، والفن، والخُلق، والقانون، والعادات الاجتماعية، وطبائع اكتسبها الإنسان في مجتمعه، وأي إمكانيات اجتماعية أخرى· وعلى الرغم من أنّ هذا التعريف قد خضع لتعديلات كثيرة إلا أنه بقي محافظا على جوهر أنّ الثقافة هي سلوك مكتسب، يكتسبه الإنسان من المحيط البشري الذي يحيا فيه، ويتعلمه، ويربى على الإيمان به وبأهميته وقدسيته·

والثقافة - مع ذلك - ليست عنصرا منغلقا على ذاته، أو مكونا ثابتا قارّا لا يطاله التغيير أو التبدل، فهناك حركة موارة من التأثر والتأثير بين الثقافات المختلفة، وهناك عوامل كثيرة داخلية وخارجية تدفع الثقافات إلى التداخل والتمازج· وعلى الرغم من أنّ نتائج التأثير والتأثر لا تتكون في زمن يمكّن المرء من ملاحظتها ملاحظة مباشرة إلا أنها تحدث وتستمر· ويكفي هنا أن نشير إلى التغيير الكبير الذي طرأ على حياتنا في تبني نمط مختلف من السلوك منبثق عن ثقافة مختلفة في كثير من مجالات الحياة، وأذكر في هذا السياق ما قالته لي سيدة كندية حضرت عرسا إماراتيا؛ إذ عبرت عن دهشتها للبذخ الذي رأته، ولكنها رغم انبهارها بما رأت قالت: لكنّني لم أر في هذا العرس شيئا يميز العرس الإماراتي عن غيره من الأعراس الغربية، فالمكان والديكور وثوب الزفاف وملابس النساء والمكياج كلها لا تعكس خصوصية المكان والناس··· فهذا مثال بسيط على أنّ المكون الثقافي بتجلياته المختلفة لا يمكن أن يكون عصيا على التغيير، وأنّه يتأثر بدورة الزمن، وتغير الأحوال، وتطور الأوضاع الاقتصادية والسياسية· ولكنّ ذلك لا يعني بأنّ كل عناصر هذا المكون قابلة للتغيير والتأثر، فهناك ثوابت من المفترض أن تحظى بالقدسية في ضمائر الناس بحيث تشكل أي محاولة لتغييرها تهديدا مباشرا لوجودهم وتماسكهم، ومن هذا الباب ظهر كثير من الصراعات الكبرى في تاريخ البشرية·

ويجب أن نميّز بين تفاعل الثقافات الذي يحدث نتيجة طبيعية لاحتكاك المجتمعات بعضها ببعض، وللتواصل الحضاري بين الشعوب، وللتمازج بين الناس، ولعوامل أخرى كثيرة، وبين الهيمنة الثقافية أو التوجه نحو فرض نمط ثقافي معين على الناس، وجعله النمط الوحيد الذي يجب أن يحتذى وأن يتبنى· فالثقافة لا يمكن أن تندمج اندماجا تاما في فكر الآخر أو تذوب فيما يقدمه من بدائل وخيارات مختلفة· وقد أدى ربط الثقافة بمفهوم التنمية الاقتصادية عند بعض الناس إلى التغاضي عن الاختلاف الكبير بين الثقافة والتنمية، فقد رأى كثير من المهتمين أنّ الثقافة عنصر من عناصر التنمية الاقتصادية أو أداة من أدواتها، وأخذوا يقيسونها بمقاييس الاقتصاد والزيادة والنقصان، متناسين أنّ الثقافة تضرب جذورها في التكوين العقدي للناس، وأنّ هناك خطا معينا لا يمكن أن تتجاوزه حركة التأثير والتأثر بين ثقافات الشعوب، ولكنّ النظام العالمي الجديد وما أفرزه من تصورات حول ما يسمى بتدويل السياسة وعولمة الاقتصاد، وما استتبعه من إنشاء نظم جديدة في العلاقات الدولية آخذ في تجاهل التنوع الثفافي الغزير، الذي يعبر عن وجود كيانات بشرية لها تاريخها ومعتقداتها ومنظومتها الثقافية الخاصة، التي لا يمكن أن يغض الطرف عنها، وتعامل معها على أنها شيء يجب أن يطّرح وأن يستبدل به نمط آخر هو نمط القطب الوحيد، وقد عبر كوناري، رئيس جمهورية مالي في عام 1993 عن ذلك أبلغ تعبير حين قال  ما دام هناك حضارة تمارس قهرا سياسيا وفكريا وأخلاقيا على غيرها من الحضارات بدعوى أن الطبيعة والتاريخ قد اختصاها بمميزات، فما من أمل في حلول السلام على البشرية، فإنكار الخصائص الثقافية لشعب من الشعوب يعد نفيا لكرامته·

إن المتأمل لحركة التاريخ يستطيع أن يلاحظ كيف تغيرت سياسات الدول الكبرى في محاولة السيطرة على منابع الطاقة والثروات في الأرض، ومحاولة فرض هيمنتها على الدول الأخرى، وتسيير شؤون تلك الدول سياسيا واقتصاديا بما يتناسب مع مصالحها هي، وما يصب في زيادة تمكينها وضمان استفادتها وإحكام قبضتها على العالم، ويستطيع بشيء من التبصر أن يلاحظ كذلك أنّ هذا التغير في التوجه وفي الخطاب وفي التعامل هو ظاهر جديد لباطن قديم، وأنّ أسس المعادلة تبدو ثابتة في علاقة القوي بالضعيف· بيد أن ما يبدو باعثاً على التخوف هو انعكاس تعميم الأشكال الاقتصادية والنظم الاقتصادية على الجوانب الروحية في حياة الشعوب، ولاسيما الجانب الثقافي، حيث نرى عمليات التنميط ماضية قدماً بتسارع عجيب لمحو أية خصوصية ثقافية، دون مراعاة لما اتفقت عليه المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو من احترام للخصوصيات الثقافية للشعوب والأمم، وكأن الزهو بامتلاك القوة قاد إلى التدخل قسراً في محوالأسس المميزة للأمم والشعوب، ومحاولة تغييرها بالتدخل المباشر، وقد يبدو هذا التدخل القسري في بعض الأحيان في تهميش اللغة القومية وإقصائها عن أدائها الطبيعي في الإدارة والتعليم والاقتصاد· إن ثمة ظواهر غريبة تبدو ظاهرياً لا تلفت الانتباه ولا تستحق التفكير والتأمل، بالقياس إلى ما يجري من أزمات وكوارث وحروب، ولكن المتأمل يجد أن هذا الاقتلاع القسري المنظم للثقافة من الجذور لهو أخطر من كل ما تتعرض له هذه الأمة من تحديات، فحذار حذار من الاستهانة ولتنفتح العيون كل العيون قبل فوات الأوان·

* جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة:
د. نسرين مراد
المواطنة الاقتصادية الخليجية:
مريم سالم
الغارقون في السياسة:
ياسر سعيد حارب
نحن لانستحق صفة الإنسانية:
الدكتور محمد سلمان العبودي
إشكالية الثقافة:
د. لطيفة النجار
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا:
د. فاطمة البريكي
لبنان.. لا تتركوه وحيدا!:
سليمان صالح الفهد
النضج السياسي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"إلا المجلس"!:
سعاد المعجل
النائب "أبو القنادر":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أبحري يا سفينة الحمقى!:
فهد راشد المطيري
لقد اقترب الفرج:
فيصل عبدالله عبدالنبي
عندما يتحرك الشباب:
محمد بو شهري
خليفة علي:
على محمود خاجه
اتحاد عمال البترول:
المحامي نايف بدر العتيبي
الأمم المتحدة بين الأمس واليوم:
آلاء عادل الهديب
59 عاما على نكبة فلسطين(1):
عبدالله عيسى الموسوي
مجتمع منزوع الدسم:
علي عبيد
وزراء الكويت..
تحية إلى شرفاء الأمة..
على الإصلاح السلام..:
محمد جوهر حيات
بقالات..
ثنائية اللغة!:
علي سويدان
بوش: انقل تمثال الحرية!!:
د. محمد عبدالله المطوع