رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 أبريل 2007
العدد 1769

مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

قالت لي صديقتي: لماذا لا تقيم المدارس والمعاهد دورات ومحاضرات وورش عمل للطلاب يشجعون فيها على تبني السلوك الأمثل في تعامل الناشئة والشباب في المواقف المختلفة؟ إذ لا يقل خطر السلوك والقيم عن المادة العلمية التي تدرّس في المدارس والجامعات، فليس من المعقول أن يخرجوا من المدارس والمعاهد والجامعات كما دخلوها، بل لماذا لا يكون هذا الصنيع سلوك الهيئات والمؤسسات والشركات والمرافق العامة والخاصة؟ فيصرف جزء من الوقت والجهد والاهتمام للتوعية بطرائق السلوك وقواعد اللياقة في المواقف المختلفة، تبعاً لما يتطلبه الأمر من مراعاة للذوق واللياقة والسلوك الحضاري الذي يكشف بعمق عما يختزنه الفرد من موروث مكتسب في البيئات التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد·

والملاحظ أن الهيئات والمؤسسات المختلفة يعنيها أكثر ما يعني أن ينجز المنتسب إليها الحد الأدنى أو الحد الأقصى من المعرفة أو الخبرة أو العمل من دون النظر الحقيقي إلى حجم التطور أو التقدم في مظاهر السلوك وأصول اللياقة، وكأن أي تصرف مهما يكن مقداره من اللياقة أو غير اللياقة لا يعني هذه الهيئة أو المؤسسة في قليل أو كثير، ما دام لا يؤثر في الإنتاج، بل إن بعض ما يختار له الشخص المناسب أن يكون فظاً بعيداً عن التمسك باللياقة أو قواعد السلوك أو احترام الناس، وتقدير مواقفهم ومشاعرهم·

قالت صديقتي: ما الذي نراه هذه الأيام في سلوك الشباب والشابات في الجامعات، من مظاهر تثير الغيظ والشفقة في آن معاً؟ فإذا كانت الطالبة مثلاً تعبر خط المشاة فإنها تعبره ببطء شديد وتتوقف للتحدث بالمتحرك، والقهقهة بصوت عال، وهي تنظر ببلاهة، وربما باستهتار لمن تقود أو يقود السيارة، فلا يخطر ببالها أن السائق يحترم الإنسان والمكان، ويحترم القواعد والأصول، أو ليس حرياً بالذي يعبر هذه المنطقة أن يحث الخطا قليلاً، وأن يحترم الناس وأن يحرص على وقتهم، كما حرصوا على وقته واحترموه· ومن المظاهر التي تثير الغيظ مثلاً أن آداب استخدام المصاعد تغيب عنها اللياقة بما يؤكد الدور الأساسي للهيئات والمؤسسات ووسائل التوجيه والإعلام المختلفة، فالناس يستخدمون المصاعد لحاجة أو غير حاجة، والناس يدخلون إلى المصاعد قبل أن يخرج الواقفون فيها، ويتزاحمون ويتدافعون فكأن لا شيء من القواعد والأصول قد مرّ بهم يوما أو عرفوه قبلا، وربما يزيد الأمر سوءا عدم مراعاة الاصطفاف حين يدعو الأمر إلى ترتيب يدعو إلى هذا الاصطفاف·

إن اتباع أصول اللياقة وقواعد السلوك ظاهرة حضارية تعلي من قدر المرء أمام نفسه وأمام الناس، وتزيده إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية والإنسانية، وتجعله يحرص على تلمس جوانب النقص والخلل في نفسه ليتلافاها، فليس أشق على المرء من أن يشعر بأنه يؤذي الناس والمجتمع في كل تصرفاته، ويصبح مخلوقاً سادياً، لا يسعى إلى أن ينال رضا الناس بقدر ما ينال سخطهم واحتقارهم·

وأدهى من ذلك ما نراه من تصرفات غريبة في قيادة السيارات؛ فما نراه من تهور ورعونة وفظاظة واستهتار يفوق كل تصور، فقيادة السيارة يحتاج من السائق صفاء الذهن والتركيز والتسامح وطلاقة الوجه وعفة اللسان، مثلما تحتاج الإيثار والبعد عن الأنانية التي تجعل همّ السائق أن يستخدم الطريق كيف يشاء من دون أن يشعر للحظة واحدة أنه يعتدي على حق الآخرين بل على حياتهم· ومن الأمثلة التي نشاهدها كل يوم السير على الخط المخصص لأغراض الطوارئ، فكثير من السائقين يستخدمونه في أوقات الأزمات والاحتقان مما يضاعف من حدة الأزمة المرورية ويبعث على ضيق مستخدمي الطريق· ومن الأمثلة على ذلك القيادة بسرعة جنونية واضطرار الذين يتقيدون بالسرعة المحددة إلى تغيير المسار وإن كان هذا التغيير يتطلب تخفيضاً مفاجئاً للسرعة، قد يعرض السائق لحادث مفجع·

ومن الأمثلة على ذلك الاستعراضات المزاجية حين يتجمع بعض الأصدقاء الذين يجدون وقت فراغ طويل فيقيمون سباقاً عشوائياً في الطريق الذي يكتظ بحركة المرور، غير عابئين بأرواحهم ولا بأرواح الآخرين· ومن هذه الأمثلة ما نراه في الطرق السريعة من تعمد بعض الشباب قيادة السيارات على الطريق السريع بتباطؤ مقصود يفاجئ سائقي السيارات، وليس من مسوغ أمام هذا الشاب المستهتر إلا أنه يود أن يغضب الآخرين ويثير أعصابهم ولا يهم إن عرض، في نهاية المطاف حياته وحياتهم للخطر، فهو سادي يستعذب توتر الآخرين وإقلاق راحتهم·

ولست أنسى ذلك المشهد المروع حين كان شابان يكادان يسدان الطريق بسيارتيهما في بطء شديد متعمد، يتمازحان ويتضاحكان ويهرجان بصوت عال، ليس للسلام والسؤال عن الحال، ولكن يبدو أنهما يناقشان كل شيء في الحاضر والماضي وربما ما يخططان له من لهو ورعونة وعبث، وقد تبعتهما سيارة سدّا عليها الطريق، وحين فكر قائد السيارة أن يتجاوزهما من اليسار، وربما غلا التوتر في أعصابه ودماغه، تجاوزهما غاضباً، ففوجئ وهو ينحرف إلى اليمين بعابر طريق فوجئ بالسيارة المتجهة نحوه من غير أن يحتسب، ولولا عناية الله القدير لكانت كارثة محققة· ومن الغريب أن كل هذا حدث وما زال الشابان في غيبوبة العبث والضحك والصراخ، وكأنهما لم يتسببا، أو كادا يتسببا في فاجعة إنسانية·

إن حشو الرؤوس بالمعلومات مهما تكن هذه المعلومات يجب ألا يكون الهدف النهائي من التربية والوعظ والإرشاد والإعلام، فكثيراً ما يرتد الوعظ والإرشاد والتربية والتعليم إلى عكس المراد، حين لا يجد المتلقي القدوة الحسنة التي تقرن القول بالفعل، وكم خسرت أمتنا حين اتسعت المسافة بين القول والفعل، وبين اللغة ودلالاتها في الواقع· وكم نحن في حاجة إلى رؤية أجيالنا يتصرفون تصرفات حضارية ويفعلون ما يقولون! وكم نحن في حاجة إلى أن نصدق مع أنفسنا ونتأمل عيوبنا، ونعمل بإخلاص للتخلص منها، ولتجنب أن ينشأ أبناؤنا عليها· إنّ الحياة كبيرة جدا تتسع لكل الطموحات والأحلام بالتطوير والإنجازات والتقدم والسبق في مجالات الاقتصاد والأعمال والأموال والثقافة والرياضة، ولكن الحياة قبل أن تحقق السبق في الكبير تحتاج أن تحقق السبق في الصغير البسيط، فكيف يوصف بالتحضر من يتصرف أمثال تلك التصرفات التي أشرنا إليها؟ إن الأمر لينطوي على مفارقة صارخة حقا· وعلى الرغم من أنّ النماذج الطيبة الجيدة موجودة في كل مكان إلا أنّ النماذج السلبية باتت تنتشر وتتكاثر بحيث يحتاج الأمر أن نقف عنده وقفة تأمل ومراجعة، ليتحقق لنا التحضر بمفهومه الشامل الواسع·

* جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

وللدستور حماته:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الـ "إن - إل - بي"؟؟:
سعاد المعجل
تغيير جوّ:
على محمود خاجه
أعضاء البرلمان.. أزمة أخلاق:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الأزمة النووية الإيرانية - الأمريكية:
المهندس محمد فهد الظفيري
ناموا وإلا غوانتانامو شارع الصحافة... للخلف دُرْ!:
علي سويدان
من هو الأهم؟ :
د. محمد عبدالله المطوع
رحم الله ناصر المسند الرجل الرمز:
د· علي خليفة الكواري
يوسف النصف
وجه الكويت المشرق:
خليفة الخرافي
رسالة الأسرى:
عبدالله عيسى الموسوي
مجلس التعاون الخليجي وإيقاف البحرينيين:
د. عمران محمد القراشي
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف:
د. لطيفة النجار
أبراج الكندري وبدعة الشطي.. وأشياء أخرى!:
خالد عيد العنزي*
تكريم سعادة السفيرة:
كامل عبدالحميد الفرس