رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 يونيو 2006
العدد 1733

وحدهم في العراء
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

ما إن مرت الذكرى التاسعة والثلاثون على النكسة النكبة في الخامس من حزيران عام 1967 حتى أفلت الثور الهائج من عقاله، وبدا كأنه يستعيد ذكرى انتصاره الكاسح وقد أسكرته نشوة التغلب على الدول المجاورة في وقت قياسي لا يقاس بزمن الحروب الفاصلة، فبدأ من جديد مسلسل الإرهاب والعنف الدموي الذي لا يحده حد ولا يقيده عقال، وفي هذه المرحلة التي لم يقف فيها القتل والاغتيال والحرق بآلات الدمار المبتكرة عند حدود المناضلين والمجاهدين والرافضين لمسلسل الذلة والخضوع، فهؤلاء قد حكم عليهم حكماً لا تراجع عنه إنهم يستحقون الموت لأنهم يرفضون أن يبقوا بلا وطن، ويرفضون أن يوافقوا على أنهم ليسوا من هذه الديار التي أثبت أساطين الدعاية أنها أرض بلا ناس، وأنها وطن كل صهيوني وأرض ميعاده مهما تنأى به الديار·

أقول لم يقف الأمر عند حد تصفية المقاومين والمجاهدين والرافضين، وإنما امتد ليحصد بشراسة كل أثر للحياة على وجه هذه الأرض دون رقيب أو عتيد، وليس أدل على ذلك من ذلك المشهد الدامي الذي شهده العالم بذهول وربما بصمت محايد حين اجتاحت الزوارق البحرية ومدافع الدبابات والصواريخ وطائرات الأباتشي سواحل غزة تحرقها حرقا، وتستهدف كل أثر للحياة يدب على هذه الأرض الثكلى، وتحرم هؤلاء الذين حلموا بفرصة للتنزه البريء يقصده الذين لا يملكون من الحياة نفسها، فأي صورة أبلغ من منظر هذه الطفلة التي خيم الموت على أسرتها كلها وربما على جيرانها وهي تبحث عن واحد منهم بين الأحياء، فتعثر على أبيها ملقى على الرمال جثة هامدة تهزه بعنف لعل فيه بقية من حياة، وكأنها ترجوه ألا يموت، فلا قلب يحنو عليها بعده ولا حضن يؤويها من غائلات الزمان·

تأملت هذا المشهد الدامي والطفلة المذعورة تصرخ وتنتحب وكأني أراها فلسطين كلها وحيدة في العراء، تخلى عنها بنو جلدتها وأسلموها لمصيرها وهم لاهون غافلون يعقدون الندوات والمؤتمرات للحرب على الإرهاب ولكنه بالتأكيد ليس إرهاب الصهاينة الذين فاقوا في حقدهم وبطشهم وعنصريتهم ما تعرض له أي شعب من الظلم والهمجية والعنصرية على مر التاريخ· ويحها فلسطين تقف وحدها منتبذة بالعراء والأهل في ديار العرب والمسلمين يشيحون بوجوههم خجلاً، وربما إنكاراً لانتسابها إلى ديارهم فقد التهمها العدو الصهيوني قطعة قطعة وشلواً شلواً حتى كاد انتسابها إليهم لا يقوى على الاعتراف به إلا أصحاب العزيمة والثبات·

إن المجزرة التي تعرض لها هؤلاء البسطاء الآمنون من الأطفال والنساء وكبار السن الذين يكدحون ليل نهار لتأمين لقمة العيش لتعلن لتاريخ زمن الخذلان وتحفر في أوراق الزمن تاريخ انعطافة خطيرة في السجل العربي لا سبيل إلى تجميلها أو تبريرها، لقد كان هؤلاء البسطاء يحلمون أن يختطفوا من يد الزمن لحظات قصيرة مجانية ينعمون بالتحديق في الأفق البعيد على رمال البحر المكشوفة للأخطار المفتوحة على كل احتمال، يجتمعون على كوب من شاي رخيص وبعض أرغفة الكعك، ينسون ولو للحظات هم الفقر وثقل مؤونة العيال ووقوعهم الدائم وسط دائرة الخطر الداهم الذي لا يرحم بين قسوة الشقيق وتنكر الصديق والوقوع بين براثن عدو جبار خسيس لا يرحم ولم يحتكم يوماً إلى مبدأ أو قيمة، يجردهم كل يوم من مقومات الحياة يحرق أرضهم ويدمر بيوتهم ويجرف مزارعهم ويجعلهم جميعاً أسرى لبطالة قاتلة لا ترحم وتزرع بينهم عملاء غادرين ينتسبون إليهم بالدم ولكنهم ما عرفوا يوماً معنى الانتماء، يبيعون أنفسهم ووطنهم وحرمة التاريخ والحاضر والمستقبل لقاء أموال مغموسة بالخيانة والوضاعة والعبور في كهوف الانبتات من كل جذر والتنكر لكل قيمة إنسانية نبيلة·

نتأمل ما يجري وسط هذه المعركة التي لا تعرف التكافؤ، طرفاها قوي يمتلك كل ترسانة السلاح والوضاعة، وضعيف يمتلك إرادة الحياة وكل القيم الأخلاقية· يقف الأخير أعزل إلا من إرادته وإيمانه بانتصار الحق والحياة، يحمل على كاهله إرث أمة بتاريخها التليد· وإن كان هذا التاريخ عبئاً على الكاهل لا يمكن إزاحته أو التخلي عنه، فإن هؤلاء الصابرين يعرفون أن قدرهم التصدي في وجه هذه الغزوة مهما يكلف الثمن ومهما تغل التضحيات، وهم يعدون أنفسهم على تواضع أسلحتهم الخط الأخير في الدفاع عن هذه الأمة وليت إخوانهم الغارقين في الصمت واللامبالاة يعلمون·

ولعل مما يحز في النفس أن يمتلك هؤلاء كل إرادة الصمود والكل من حولهم متقاعس بل إنهم لا يسلمون أحياناً من كيد ذوي القربى وربما إيقاع الفتنة وإشعال نار الوقيعة بينهم· لقد كثر عليهم الأعداء وراحوا يتربصون بهم الدوائر وكأنهم ما كانوا يوماً في الذروة من العروبة الأبية التي ما كانت قيمها تُسلِمُ أبناءها طواعية وعن طيب خاطر، وكأن المتنبي حاضر ينظر في الآفاق والحيرة تملأ قلبه والقلق يغشى عينيه الذكيتين، وهو ينظر تارة إلى سيف الدولة الذي تعلو وجهه سحابة الهم التي تغشى النبلاء من ذوي الهمم العالية وطوراً إلى عرب الروم وقد شايعوا كل ناعق، يقول:

وسوى الرومِ خلف ظهرك رومٌ

فعلى أيّ جانبيك تميلُ

فإلى متى يظل هؤلاء المرابطون وحدهم في العراء مكشوفي الصدور والظهور، يعيشون مأساتهم وحدهم، يلعقون جراحهم وحدهم بين كيد العدو وتنكر الصديق وشماتة الشقيق، وهل يصدق فيهم قول القائل:

أنا يوسف يا أبي

والذئب أرحم من إخوتي يا أبي

وإلى متى تظل هذه الصورة التي تقطع نياط القلب وتحز الإنسان من الوريد إلى الوريد لا تحرك في سواد الأمة ساكناً، وما أبشع أن يتمكن الإعلام من جعل هذه المناظر التي تهز الجبال لا تحرك في الناس ساكناً من مروءة أو غيرة أو شعور، وكأن هذه الأحداث أصبحت من العادي بحيث يمر عليها الناس مرور الكرام، وربما يجدونها عبئاً فينصرفون إلى ما يمتعهم ويبعدهم عن هموم الأمة فلا يأبهوا من بعد ولو قامت قيامة الخلق وأسرع الجميع إلى دار البوار· إن الخطب جسيم جسيم، فهل آن الأوان ألا نترك فلسطين الصابرة المكابرة وأهل فلسطين المجاهدين وحدهم في العراء؟···إنه السؤال الكبير·

جامعة الامارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

لماذا بيضاء؟:
مجموعة من أبناء الدائرة الثالثة
مولد مولانا.. المونديال!:
سليمان صالح الفهد
المؤهل المالي!!!:
سعاد المعجل
المرشح الكامل من عجائب الدنيا السبع.. ولكن:
محمد بو شهري
ما كل برتقالي... برتقالي:
المحامي نايف بدر العتيبي
التقدم نحو الوراء:
د. فاطمة البريكي
الرهان:
مسعود راشد العميري
مااااء!!!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
لماذا تجب محاربة الفساد؟:
د. محمد حسين اليوسفي
الإدارة الأمريكية ومشروع تقسيم العراق:
د. نسرين مراد
تحديات حزيران "يونيو":
د. محمد عبدالله المطوع
وحدهم في العراء:
د. لطيفة النجار
عذاري وين الماي وينه؟:
يوسف الكندري
لا للـ 29:
على محمود خاجه