في كل مرة تتعطل فيها الحياة الديمقراطية في الكويت، تتعالى بعض الأصوات المشككة في جدوى الديمقراطية كنظام سياسي مثالي في مجتمعات لا تزال العلاقات داخلها تسير وفقا لشروط القبيلة، ومنطق الطائفة، وهي شكوك لا تقتصر فقط على بعض القاصر تفكيرهم داخل المجتمع الكويتي وحسب، وإنما يشاركهم فيها والى حد كبير بعض أقرانهم في مجتمعات دول الخليج، فكلنا تقريبا لابد وإن نكون قد وجدنا أنفسنا في يوم ما ضمن دائرة حوار خليجي - كويتي حول الدور الذي لعبته الديمقراطية في إثراء المسيرة الكويتية وعلى جميع الأصعدة·
وإذا كانت الكويت قد تجاوزت الى حد كبير مرحلة التشكيك في جدوى الديمقراطية خاصة على المستوى الشعبي، وهو أمر واضح جدا من خلال ازدياد مساهمة المواطنين في مؤسسات المجتمع المدني، وفي العملية الانتخابية بشكل عام، إلا أن مثل هذه الشكوك لا تزال وبكل أسف تساور الكثيرين من أبناء خليجنا العربي، وهي شكوك تتزايد حدتها في كل مرة تعبر فيها الكويت اختبارا كالذي حدث مؤخرا·
الديمقراطية الكويتية وبشهادة كل المحللين السياسيين عربا كانوا أم غربا هي واحدة من أكثر الديمقراطيات العربية رسوخا ومصداقية، بل وحتى في ظل كل محطاتها السلبية التي يأتي على رأسها حل مجالس الأمة تبقى للديمقراطية الكويتية آثارها الملموسة على المستوى الإقليمي، لأن ما يحدث سيبقي في يقين الكويتيين معارك مطلوبة لتنقيح الوعي الديمقراطي ومسيرته·
تعود الديمقراطية الكويتية في تاريخها الى مجلس العام 1921 الاستشاري، والذي كان حجر الأساس فيما أعقبه من مجالس برلمانية، ووعي بحتمية المسار الديمقراطي، وأهمية المطالبات الشعبية التي مهدت لكل ما يتمتع به أهل الكويت اليوم من مكتسبات وطنية·
ولن يستطيع أحد أن ينكر تأثير تلك الشعلة التنويرية التي انطلقت من الكويت ليس على دول المنطقة وحسب، وإنما على القوى الأجنبية التي كانت مسيطرة في أثناء ذلك على دول الخليج، وهو ما يفسره اهتمام المندوب البريطاني آنذاك بالمجلس الكويتي الوليد، وطلبه من الشيخ "أحمد الجابر" تفسيرا لما يجري، خشية أن يؤثر هذا المجلس على اتفاقيات بريطانيا مع الكويت·
أما ما يتعلق بأثر الديمقراطية الكويتية على دول الخليج، فهو ملموس منذ بداية الحراك الديمقراطي الكويتي في عشرينيات القرن الماضي، وإن كان قد وصل الى ذروته في أعقاب أزمة الغزو، حيث مارس الكويتيون ديمقراطيتهم في الشتات في مؤتمر جدة وعقدوا الدوائر الحوارية التي كان لأهلهم في الخليج دورا بارزا فيها، فاشتعلت جذوة الديمقراطية في المنطقة، وأعلن خادم الحرمين إنشاء أول مجلس شورى سعودي، وعبرت قطر عن رغبتها في إجراء انتخابات برلمانية، أما في عمان، فقد أعلن السلطان إجراء انتخابات برلمانية، وتطور مشروع المجلس الوطني في الإمارات، ليتحول الى مجلس منتخب انتخابا شرعيا·
الآن، والكويتيون يقفون على أعتاب معركة جديدة يرسخون فيها مكاسب الديمقراطية، تتلقفهم عيون أهلهم في الخليج، وتنتظرهم لكي يتموا صرختهم التي أطلقوها في العام 1921، وعبروا من خلالها والى تاريخنا الحالي·· بأن الحقوق لا تضيع طالما بقي هنالك من يطالب بها·
suad.m@taleea.com |